من يحاكمهم؟

TT

بدأ رجال جورج بوش بالتفرق من أجل البحث عن مواقع أخرى. وليست في أميركا محاكم سياسية تعمل على محاسبة العهود المنتهية أو السابقة، وإنما يتولى ذلك الإعلام ودور النشر. وكانت محاكمة ريتشارد نيكسون في الصحف أسوأ بكثير مما لو أحيل إلى محكمة خاصة. وكانت محاسبة بيل كلينتون في الإعلام أكثر إهانة ومذلة من مساءلته أمام لجان التحقيق في قضية مونيكا لوينسكي.

سوف ننتظر لنرى بعد نهاية عهد بوش مَن سوف يجيب عن الأسئلة حول تخريب العراق وخراب أميركا. ومَن العبقري ـ أو العباقرة ـ الذين أقنعوه بأن بغداد ليست أكثر من نزهة بسيطة لن تطول: يسقط النظام خلال أيام وبعدها تنصرف أميركا إلى إعمار العراق ونشر الازدهار وتعميم النظام الديمقراطي. وما أن يقوم هذا النظام النموذجي حتى تتهاوى الأنظمة المماثلة في العالم العربي من تلقاء نفسها.

كانت إدارة بوش واثقة من ذلك لدرجة أن كولن باول راح يتحدث عن شرق أوسط «جديد»، يجتذب الناس بعيداً عن الديكتاتوريات وعن تيارات التطرف معاً، ويفضي إلى مجتمعات «متسامحة» قانعة بالنظم الدولية وعاملة بها!. قبل ذلك بنصف قرن كان ادولف هتلر قد تحدث عن نزهة أخرى في الاتحاد السوفياتي: «كل ما علينا أن نفعله هو أن نرفس الباب وسوف ينهار المبنى المهترئ برمته». بعد ذلك بأربع سنوات كان الجيش السوفياتي يغتصب 200 ألف امرأة في برلين وهتلر يطلق النار على صدغه.

المغامرة في العراق دمرت المشروع الأميركي في كل مكان آخر. حاول الأوروبيون طويلا إقناع إدارة بوش بأن «أبواب الجحيم سوف تفتح» كما قال جاك شيراك. وعندما رفضوا إعطاء المشروع الأميركي غطاء قانونيا عن طريق الأمم المتحدة، قرر بوش وطوني بلير خوض الحرب منفردين، يعاونهما بعض الحلفاء الجدد من أوروبا الشرقية، وبعض مرتزقة أميركا اللاتينية.

تدفع أميركا الآن 350 مليون دولار في اليوم كلفة البقاء في عراق مفتت. ميزانية شهر واحد من هذا الحجم كانت تكفي لإقامة عراق حديث ومقدّر للمساعدة الأميركية.