البيوتكنولوجي .. وأزمة الغذاء العالمية

TT

أزمة الغذاء العالمية The Global Food Crisis التي يشهدها العالم حالياً، وأياً كانت أسبابها، إلا أنها تطرح سؤالاً مهماً عن دور العلم وبخاصة علم البيوتكنولوجي (التكنولوجيا الحيوية) Biotechnology في مواجهة هذه الأزمة.

فالملاحظ حالياً أن هناك تناقضاً واضحاً بين الإنجازات العلمية المتزايدة التي تطالعنا يومياً في علوم البيوتكنولوجي وبخاصة علوم الوراثة والجينات، وقلة ما ينتج عنها من حلول عملية لمواجهة التحديات المتزايدة التي تواجه البشر وبخاصة في مجالي الغذاء والصحة في الدول النامية.

وفي مؤتمر «بيوفيجن» BioVision العلمي السنوي الذي أطلقته مدينة ليون الفرنسية مع بداية الألفية الثالثة ويعقد بالتبادل كل عام بين مدينتي الإسكندرية المصرية وليون الفرنسية، ويبحث في آفاق تطور علوم البيولوجيا في القرن الـ21 وآثارها على حياة وأنشطة البشر، والذي عقد هذا العام في مكتبة الإسكندرية في الفترة من 12 إلى 16 أبريل الحالي، تحت شعار «من الوعود إلى الممارسة»، رصد المؤتمر للعلاقة بين التطورات الهائلة والمذهلة في علوم البيولوجيا المعاصرة، والمشكلات التي تعد بإيجاد حلول لها مثل الأوبئة والأمراض المستعصية وقضايا البيئة والتصحر ونقص الغذاء وغيرها.

فعلى سبيل المثال مازال العلماء منقسمين تجاه الأغذية المعدلة وراثياً، فالبعض يدعم الأبحاث والشركات العاملة في مجال البذور والأغذية المعدلة وراثياً، ويرى أن الخوف منها غير مبرر، بينما البعض الآخر يرى أن المخاوف بشأن هذه البذور والأغذية هي مخاوف حقيقية، وقد أدى التطور في علوم الجينات إلى وجود تنافس واحتكار بين الشركات العالمية العاملة في مجال البذور المعدلة وراثياً.

يقول المفكر الاقتصادي الأميركي الشهير جيرمي ريفكن في كتابه «قرن التقنية الحيوية: تسخير الجينات وإعادة تشكيل العالم»: «إن استملاك بذور العالم استملاكاً تجارياً ـ بعد أن كانت يوما ما ملكاً عاماً للبشر جميعاً ـ في أقل من قرن من الزمن، يمثل أحد أكثر التطورات أهمية في العصر الحديث. فمنذ قرن من الزمن كان مئات الملايين من المزارعين في كوكبنا يملكون ويتحكمون بمخزونهم من الحبوب، يقايضونها بحرية تامة مع جيرانهم وأصدقائهم، أما اليوم فإن معظم مخزون الحبوب قد زرعته وهندسته وسجلت له براءات اختراع شركات عالمية وجعلته ملكية فكرية لها. ويعتمد المزارعون الراغبون في زراعة ما سيحصدونه مستقبلاً اعتمادا متزايداً على الوصول إلى هذه الشركات، ليدفعوا لها رسماً معيناً مقابل استخدام ما كان قبل فترة وجيزة ملكية عامة».

كما أن الوقود الحيوي أو الطاقة المستخرجة من الغذاء من قضايا علم البيوتكنولوجي المثيرة للجدل والنقاش في الوقت الحالي، إذ أن هناك اعتراضات على الاستثمار في هذا المجال، فبعض العلماء يرى أن الوقود الحيوي له دور في ارتفاع أسعار الغذاء، كما أنه يضر بالبيئة، بينما البعض الآخر يرى أن الوقود الحيوي ليس هو السبب في تفاقم أزمة الغذاء الحالية ويعد أحد مصادر الطاقة البديلة الضرورية للتغلب على أزمة الوقود والمساهمة في مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري. والخلاصة أنه إذا كان هناك العديد من المسائل والقضايا الأخلاقية الحساسة التي تحيط بعلم البيوتكنولوجي وتطبيقاته، فإن أزمة الغذاء والوقود العالمية يجب أن تكون دعوة عاجلة للتعاون الفعال والإيجابي بين العلماء والشركات العاملة في مجال البيوتكنولوجي لتحويل الإنجازات العلمية الهائلة والواعدة لهذا العلم إلى ممارسات وتطبيقات عملية تفيد في مواجهة هذه الأزمة وغيرها من تحديات وأزمات وبخاصة في مجالي الغذاء والصحة، وضرورة إجراء أبحاث علمية لتطوير أصناف وسلالات جديدة من محاصيل ذات خصائص مميزة، وبخاصة على المحاصيل الأساسية كالقمح والأرز، مثل الإنتاجية العالية ومقاومة الجفاف والتأقلم مع التغيرات المناخية، وضرورة توصل العلماء لحلول أكثر واقعية تراعي القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، التي تواجه العالم حالياً.

كما أن هناك ضرورة لتوعية الجمهور بكيفية التعامل الصحيح مع هذه الأزمة، من خلال التربية والتوعية الاستهلاكية لتغيير السلوكيات السلبية للمستهلكين، ففي الولايات المتحدة مثلاً حدث تحول في سلوك وتوجهات إنفاق مستهلكي الطبقتين الوسطى والعاملة، وذلك بالانتقال من الماركات الشهيرة إلى بدائل وأنواع أرخص سعراً، وأيضاً اللجوء للوجبات الغذائية المعدة في المنزل والرخيصة السعر.

وأخيرا فإن أزمة الغذاء العالمية يجب أن تكون دافعاً للدول النامية لابتكار أساليب غير تقليدية لتطوير قدراتها على الإنتاج والتنافس.

* كاتبة وباحثة مصرية في الشؤون العلمية