هل هناك حل عسكري إسرائيلي لاستئصال حماس؟

TT

لماذا يبدو الصراع بين حركة حماس وإسرائيل وكأنه محكوم بلعبة القط والفأر؟ ولماذا تبدو العمليات المحدودة، والمؤلمة في الوقت نفسه، التي تقوم بها إسرائيل من وقت لآخر في القطاع، هي السمة الأبرز التي ميزت وتميز الصراع بين الطرفين على الأرض حتى الآن؟

هناك في الواقع الكثير من الأسئلة المطروحة، التي تتعلق بمدى قدرة إسرائيل على حسم الصراع مع حركة حماس عسكريا والقيام باجتياح شامل للقطاع، والتخلص إلى الأبد، من عمليات إطلاق صواريخ القسام على مستعمراتها الجنوبية. وربما كان السؤال الأبرز في هذا الصدد هو إذا ما كانت إسرائيل قادرة عسكريا على حسم هذا الوضع على الأرض، فما هي العوائق التي تقف في طريق تنفيذه؟

قد لا يبدو أمر حسم الصراع بمثل هذه البساطة من الوجهة العملية، لأن الأسباب التي تحول دون تحقيق هذه المهمة كثيرة ومتنوعة، هذا على الأقل ما يراه العديد من الخبراء والمحللين السياسيين. فإسرائيل ليست جاهزة للقيام بهذا العمل، وعدم جاهزيتها لا تكمن بعدم توافر قدرتها العسكرية، بقدر ما تخضع لحسابات سياسية دقيقة على المديين المنظور الاستراتيجي.

العوائق الكثيرة التي تقف في وجه العمل العسكري الشامل يكمن أولها في عدم وجود مصلحة إسرائيلية تقتضي التخلص من حركة حماس في الوقت الراهن. وفي هذا الصدد، يعتقد بعض المحللين السياسيين بوجود مصلحة مشتركة لكل من إسرائيل وحركة حماس «تقضي بعدم تدهور الأوضاع وإيصالها إلى المرحلة التي يمكن أن تؤدي إلى الاجتياح الشامل». ويتحدث أصحاب هذا الرأي أيضا عن أن هناك في المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية من يعتقد أن إسرائيل في الواقع لا تقف في مواجهة حركة حماس، بقدر ما تقف في مواجهة الخطر الإيراني والخطر السوري اللذين يرعيا ويوجها ويدربا حركة حماس، وأن الاجتياح الشامل لا يعني نهاية إطلاق الصواريخ طالما لم يمس دور المساند والمحرض والمدرب والممول الذي سيظل يسعى لتأجيج الصراع بين الطرفين.

ويرى البعض أنه ربما كان من الخطأ تشبيه الوضع على الحدود مع قطاع غزة، بما شهده الشريط الحدودي مع لبنان في الفترة الواقعة ما بين 2000-2006 ، إلا من جهة تسلح حماس من خلال معبر رفح. ويأمل الإسرائيليون والأميركيون أن تستطيع مصر ضبط حدودها مع قطاع غزة وإيقاف تهريب السلاح عبر معبر رفح الذي يصل القطاع بمصر، إلا أنه وفي الوقت نفسه فإن تأجيل العملية، كما يرى بعض الخبراء الإسرائيليين، يزيد من حجم الخسائر الإسرائيلية جراء إطلاق صواريخ القسام على المستعمرات الجنوبية.

وربما كانت إسرائيل لا تزال تراهن على نتائج حصارها وخنقها للقطاع. فالحصار الخانق الذي شل كافة أوجه الحياة في القطاع سيؤدي بحسب بعض السياسيين الإسرائيليين إلى تمرد الغزاويين على سياسة حركة حماس، وأنه سيقود عاجلا أم آجلا إلى مقارنتهم بين أوضاعهم المزرية على شتى الأصعدة وبين أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية.

ولعل العائق الأهم أمام اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قرارا بالقيام باجتياح شامل على القطاع هو أنها لا تتمتع بثقة كبيرة بين جمهور الإسرائيليين، خاصة بعد تقديم تقرير فينوغراد الذي اتهم الحكومة الإسرائيلية صراحة بالتسرع بشن الحرب على لبنان والتسبب بخسائر إسرائيلية كبيرة. فالخوف من التكلفة التي قد تكون باهظة في شن الحرب على القطاع هو من هذا المنظور عامل معيق في وجه إتمام العملية. كما أن الاعتبارات العسكرية التي يقف في مقدمها ازدحام القطاع من الناحية السكانية الأمر الذي يعني وقوع خسائر كبيرة بين المدنيين الفلسطينيين والذي سيبرز إسرائيل أمام العالم بصورة مريعة.

من جهة ثانية فإن الحكومة الإسرائيلية ليست لديها ضمانات بأن تؤدي العملية الشاملة إلى قيام حركة حماس بعمليات انتحارية في العمق الإسرائيلي يكون مصدرها هذه المرة الضفة الغربية، وهذا على الأقل ما هدد به رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل. ويرى البعض عوائق أخرى تتحدد في عدم رغبة إسرائيل ببسط احتلالها مجددا على قطاع غزة، بعد أن عملت كل ما بوسعها للتخلص منه عندما قامت قواتها بالانسحاب منه.

ورغم أخذنا بكل هذه العوائق بعين الاعتبار إلا أننا لا نرى أنها تكفي بمجموعها لإعاقة إسرائيل عن اتخاذ خطوة اجتياح غزة بالكامل. فالحصار الذي راهن عليه الإسرائيليون لم يأت بنتيجة تذكر ليكون بديلا عن إبعاد خطر الصواريخ، فلقد استمرت حركة حماس في إطلاق الصواريخ برغم الحصار الخانق، كما أن خوف الحكومة الإسرائيلية من المساءلة على غرار لجنة تحقيق فينوغراد ليس مسوغا مقنعا للامتناع عن القيام بمثل هذه الخطوة، خصوصا إذا ما أصابت هذه الصواريخ مدرسة أو إحدى رياض الأطفال وكانت الخسائر كبيرة، عندها سيتساءل الإسرائيليون عن عدم اتخاذ خطوة الاجتياح للتخلص من مطلقي الصواريخ، كما أن إسرائيل لا يهمها اعتبار صورتها أمام العالم فيما لو سقط مدنيون فلسطينيون في العملية.

نرى أن هناك عاملا مهما لم يأت على ذكره البعض، هو أن الحكومة الإسرائيلية غير مستعدة لتقديم خدمة مجانية لحكومة عباس بالقيام بما عجزت عنه حركة فتح، وهو التخلص من حركة حماس، ولعل لجوء إسرائيل إلى الاجتياح الشامل وحسم أمر غزة وتخليصها من حكم حركة حماس، سيساعد على تنظيم صفوف الفلسطينيين وتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت مظلة الرئاسة الفلسطينية، الأمر الذي يعني تقوية أوراق حكومة عباس في المفاوضات الجارية حاليا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وسحب الذرائع الأمنية من يد إسرائيل التي تبرر استمرارها في بناء مستوطنات جديدة وعدم تقديم تنازلات حقيقية وجدية من أجل إقامة الدولة الفلسطينية بالحجج الأمنية.

حسم موضوع غزة لا تريده إسرائيل الآن ومن الواضح أن إطلاق الصواريخ لا يؤثر على إسرائيل ذلك التأثير الذي يدفعها إلى اتخاذ خطوة كبيرة كالاجتياح الشامل، وأن حركة حماس بإطلاقها هذه الصواريخ توفر الفرصة لإسرائيل لتكون أكثر تشددا في مفاوضتها مع الرئيس عباس.

من هذا المنطلق، فإننا نرى أن الصدام الكامل بين حركة حماس سيظل مؤجلا على المدى المنظور أو على الأقل حتى نهاية عهد ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش الذي أعلن عن رغبته وأمله بأن تؤدي المفاوضات التي ترعاها حكومته إلى الوصول إلى حل للدولتين. يبقى الاجتياح مؤجلا إلا إذا دخلت عوامل جديدة في الحسبان مثل استهداف وإصابة هذه الصواريخ لأماكن حساسة في الجنوب الإسرائيلي، عندها فقط قد تقرر إسرائيل اجتياح قطاع غزة.

* كاتبة وصحافية فلسطينية مقيمة في فيينا