عالم جديد

TT

العالم يتغير ويتبدل بصورة مبهرة والأعراف الاقتصادية والمسلمات تتشكل أسرع من لمح البصر، إننا اليوم نعيش فترة «عالم ما بعد أمريكا» كما يعنون فريد زكريا عنوانه الجديد، وهذه الفترة تشهد صعود البقية الى عالم الاقتصاد ونشاطه. فبعد أن شهد العالم صعود آسيا ونمورها ها هو يشهد دولا أخرى كروسيا والهند وكينيا وغانا وجنوب أفريقيا والبرازيل كدول فاعلة ومؤثرة على الحراك الاقتصادي العالمي. انطوان فان أجتمال هو مدير المحافظ، المعروف باطلاقه لمصطلح «الأسواق الناشئة»، يعتقد أن أهم 25 شركة عملاقة قادمة ستكون 4 من البرازيل 4 من المكسيك 4 من كوريا الجنوبية 4 من تايوان وثلاثا من الهند واثنتان من الصين وواحدة من كل من الارجنتين وتشيلي وماليزيا وجنوب أفريقيا، ولست بحاجة للتفكير ولا الحيرة إزاء هذه التوقعات والتقديرات، فكل ما عليك عمله هو النظر والتمعن والتدبر حولك بتأنٍ شديد لتجد أن أعلى عمارة اليوم في العالم تقع في تاييبه عاصمة تايوان، ولكن ليس لمدة طويلة فقريبا سيصبح هذا اللقب من نصيب «برج دبي» الذي قارب على الانتهاء. ولقب «أثرى رجل في العالم» من نصيب امبراطور المال المكسيكي اللبناني الأصل سليم الحلو، وأكبر شركة مساهمة في العالم هي شركة صينية، وأضخم طائرة جوية تم بناؤها في أوكرانيا بروسيا، وأكبر مصانع انتاجية في العالم اليوم موجودة في الصين، وأكبر مصفاة تكرير بحري تم بناؤها في الهند الآن. صناعة السينما الأكبر ليست في هوليوود بل في بوليوود الهندية. من أكبر 10 مجمعات اسواق فقط واحدة منها يوجد بالولايات المتحدة الأمريكية وأكبرها بالعاصمة الصينية بكين. أقل ما يمكن ان تقدمه هذه الاحصائيات هو صورة ذهنية لأثر تصدير الفكر الرأسمالي الأمريكي على خارطة العالم الاقتصادي. هناك ادراك كبير أن الاقتصاد القديم لم يعد لأمريكا المقدرة أن تنافس فيه وتكون عنصرا فاعلا ومؤثرا، ولكن هناك فرصا مهمة في مجالات التقنية العضوية والتقنية العالية والطب والتعليم والتي لا يزال لأمريكا السبق الهائل لها، نتاج الصرف الشديد والمركز على الأبحاث، (صرف العرب برسائلهم الصغيرة حجما من المبالغ في فترة شهر واحد ليصوتوا لشاعرهم المفضل في مسابقة شاعر المليون التلفزيونية أكثر مما جمع للأبحاث الجامعية في 14 ولاية أمريكية). هناك نمو هائل وكبير ودور متنام للمنظمات والمؤسسات الأهلية حتى باتت أهم من الدول نفسها. فمنظمة التجارة العالمية ومنظمة العمل الدولية ومنظمة حقوق الانسان ومنظمة البيئة ومنظمة الصحة العالمية ستتحول الى كيانات مؤثرة جدا على القرار السيادي للدول نفسها مهما صغر الشأن المعني، ولكن طالما كانت له أبعاد مؤثرة ومهمة فهو يبقى شأنا عاما وبامتياز. اقتصادات العالم باتت ضد التضخم وضد الحروب وضد الاضطرابات العامة، فبالرغم من كل ذلك هناك نمو متواصل في الناتج العام لمعظم دول العالم. انه عالم جديد والانتصار فيه للعولمة.

[email protected]