تخليد سياسات بوش الضريبية غير المسؤولة

TT

كشفت استطلاعات رأي أجراها «معهد غالوب» عن أن الرئيس بوش حصل على أعلى معدل رفض شعبي من بين الاستطلاعات التي أجراها المعهد على امتداد 70 عامًا. ولا شك أنه باعتباره مرشحًا لخلافة رئيس يفتقر إلى الشعبية بمثل هذه الدرجة الخطيرة، يقتضي المنطق بضرورة تخلي جون ماكين المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري، عن الأمل في الفوز في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ومع ذلك، توضح الاستطلاعات الحالية أنه يحتل مرتبة مقاربة للمتنافسين الديمقراطيين على الترشح لخوض انتخابات الرئاسة. بيد أن التساؤل الذي يطرح نفسه هو: هل هذه الصورة صحيحة؟ يذكر أنه خلال جولة الانتخابات الرئاسية عام 2000، قيل الكلام نفسه عن بوش، لكن الذين تفحصوا جيدًا مقترحاته بشأن السياسات المتبعة، خاصة الضريبية منها، تمكنوا من استشفاف الصورة التي سيكون عليها المستقبل. وعند إلقاء نظرة مشابهة على تصريحات ماكين بشأن الضرائب نجد نفس الخليط من الافتقار إلى الشعور بالمسؤولية والأحاديث المبهمة الذي اتسمت بها إدارة بوش عام 2000. وبصورة عامة، تحوي خطة ماكين الضريبية عناصر ثلاثة.

أولاً: يقترح ماكين جعل جميع التخفيضات الضريبية التي أقرها بوش تقريبًا، والتي من المقرر انتهاء فترة سريانها بحلول نهاية 2010، دائمة. (ويقترح ماكين استعادة ضرائب المواريث، وإن كان بمعدل بالغ الضآلة).

ثانيًا: يرغب ماكين في إلغاء الضريبة البديلة الأصغر، التي تم إقرارها في الأصل للحيلولة دون استغلال الأثرياء للثغرات الضريبية، لكنها بدأت في الإضرار بالطبقة الوسطى العليا.

ثالثًا: أبدى ماكين رغبته في التقليص بصورة بالغة من الضرائب المفروضة على أرباح الشركات.

وطبقًا لـ«مركز السياسات الضريبية» الذي لا يتبع توجهات حزبية، فإن مجمل تأثير تنفيذ خطة ماكين الضريبية سيتمثل في خفض العوائد الفيدرالية بمقدار يتجاوز 5 تريليونات دولار على امتداد الأعوام العشرة القادمة. ولا شك أن هذه خسارة ضخمة في العوائد كافية لخلق مشكلات كبرى أمام قدرة الحكومة على سداد ديونها. إلا أنه قبل الخوض في هذا الأمر، دعونا نلقي نظرة على ما أعتبره أمرًا بالغ الأهمية، ألا وهو استجابة القائمين على حملة ماكين الانتخابية لتقرير «مركز السياسات الضريبية»، والتي جاءت مكتوبة على يد دوغلاس هولتز ـ إيكين، الرئيس السابق لمكتب الموازنة في الكونغرس. فقد انتقد «هولتز ـ إيكين» المركز لاتباعه «أساليب غير منطقية خاصة بالكونغرس فيما يتعلق بالموازنة»، والتساؤل الآن ما هي هذه الأساليب؟

باختصار، يقيّم الكونغرس التشريعات الضريبية من خلال مقارنة تقديرات العوائد التي سيتم جمعها حال إقرار التشريع بتلك التي سيتم جمعها في ظل القانون القائم. ويعني ذلك في هذه الحالة مقارنة عوائد خطة ماكين بما سيحدث حال انتهاء فترة سريان التخفيضات الضريبية التي أقرها بوش. وبدلاً من ذلك، يرغب «هولتز ـ إيكين» في مقارنة خطة ماكين بـ«السياسة الحالية»، بمعنى المعدلات الضريبية الراهنة.

وفي الواقع، فإن السبب وراء تحديد فترة زمنية لانتهاء التخفيضات الضريبية التي نفذتها إدارة بوش، هو تورطها في لعبة خداع. ذلك أنها حددت موعدًا زمنيًا نهائيًا لم تنو قط الالتزام به، بهدف إخفاء التكلفة الحقيقية لهذه التخفيضات الضريبية. والآن، يريد القائمون على حملة ماكين الانتخابية منا قبول نجاح هذا الخداع باعتباره أمرًا واقعًا، ولسان حال «هولتز ـ إيكين» يقول: «إننا لسنا متورطين في أي إجراء جديد يفتقر إلى الشعور بالمسؤولية، وإنما نسعى فقط لتخليد انعدام شعور إدارة بوش بالمسؤولية إلى الأبد».

ومع أن ظاهرة إعلان وعود ـ من المستحيل الوفاء بها ـ لا تقتصر بأي حال من الأحوال على ماكين، وإنما يشاركه إياها، إلى حد ما، المتنافسان الديمقراطيان، إلا أن خطة ماكين تنم عن قدر هائل من الافتقار إلى الشعور بالمسؤولية أكثر بكثير من أي مقترح تقدم به الديمقراطيون. وباختصار، فإن حديث ماكين عن الموازنة لا يحمل أي معنى منطقي.

إذًا ما هي حقيقة نياته؟ في الواقع.. لا يبدو أن خطة ماكين تتبع أي أجندة متناغمة، وإنما تبدو مجرد محاولة لتهدئة جناح اليمين داخل الحزب الجمهوري. ويومًا بعد يوم، يبدو ماكين شخصا على استعداد لقول أي شيء كي يتولى الرئاسة.

* خدمة «نيويورك تايمز»