غزة مسؤوليتنا أولاً

TT

خلال حرب التحرير الجزائرية كان طلاب المدارس يقرعون الأبواب ليجمعوا التبرعات للمناضلين والمعذبين. واليوم تتفاقم مأساة غزة كأنها في اميركا اللاتينية. ولكن حتى لو كانت في اميركا اللاتينية او في اطراف النيبال، الا تستحق لفتة انسانية من العرب الذين هم اليوم افضل حالاً الف مرة مما كانوا عليه في الخمسينات؟ واذا كان الوضع السياسي مسؤولية حماس وحدها، الا يكون الوضع الحياتي الشديد التدهور مسؤولية كل عربي؟

اين المشكلة؟ انها مكتوبة على جميع الجدران بحروف كبرى مثل كل الشعارات العربية. وليس علينا سوى ان نقرأ. حماس على علاقة مقطوعة مع ثلاثة ارباع العالم العربي، فكيف يمكن التواصل معها والوصول اليها؟ وحماس وفتح متصارعتان كالاعداء، ولذلك ذهب جيمي كارتر الى المكان الخطأ، اذ بدل ان يطلب الهدنة بين حماس واسرائيل، كان يجب ان يبدأ بطلبها بين فتح وحماس. أو العكس.

هذا اذا امكن العثور عليهما. فهما اما في بلد عربي آخر يعقدان اتفاقاً جديداً، واما حماس تطلب الحرية عبر الحدود المصرية. وقد كانت لياسر عرفات اخطاء كثيرة في السياسة وخلافات كثيرة مع الفصائل، لكن لا نذكر يوماً انه شق الفلسطينيين على ما نراه اليوم في غزة، حيث المسألة لم تعد شهداء الصواريخ الاسرائيلية بل الشهداء الاحياء الذين ينزلق بهم القطاع يوماً بعد آخر الى الدرك الافظع.

على ان كل ذلك لا يحجب المسؤولية العربية، لا في غزة ولا في الضفة. ويجب ألا نترك غزة لصراعاتها الصغيرة والمعيبة. ولا ان ننتظر من حماس السماح لنا بالتدخل الانساني هناك. ولا ان ننتظر عودة حماس وفتح الى الرشد الوطني والضمير القومي. فقد نكون امام كوريتين جديدتين، حيث الشعب واحد والوان الاعلام مختلفة. وهذه حالة عربية مزرية لم يعد يستفظعها احد، لا في العراق ولا في لبنان ولا في فلسطين، حيث امكن عزل افقر تجمع عربي ومحاصرته من الداخل ثم الاتكال على مساعي جيمي كارتر الذي يمثل اقصى المشاعر الانسانية واقصى حالات العجز السياسي.

لكن حتى القس الورع القادم الينا من عمق الجنوب الاميركي، رأى نفسه جزءاً من اللعبة السياسية لا ضيفاً عليها. فقد نفت حماس بنود الاتفاق الذي تم التوافق عليه فور مغادرته مما حمله على اعادة نشر النصوص كاملة في «الهيرالد تريبيون». واذا كان من امثولة تركها كارتر، فهي انه يجب الا نيأس. والا نترك الفلسطينيين يتمادون في نزاعاتهم. واذا كنا عاجزين عن تغيير سلوك الاحتلال فيجب ان نخفف من آثاره الوحشية وبربرية الصراع الفلسطيني.