معارك في ذاكرة الصحافة

TT

تساءل الكاتب والأديب السعودي عبد الله الجفري في مقال له بصحيفة «عكاظ» قائلا: «هل حقاً نحن أدباء ما قبل ظهور الحداثة التي سادت واحتلت الصحف والمجلات: لم يعد لنا مكان نزاحم فيه لا في الصفحات، ولا في الملاحق الثقافية، ولا في الندوات والمشاركات التي تدعو إليها وزارة الثقافة والإعلام؟!».

وقد أعاد إلى الذهن ذلك التساؤل المرير لأديبنا الكبير الجفري معارك الحداثة، التي استعرت بصورة بارزة في عقد الثمانينات من القرن الماضي، وانقسم المجتمع الأدبي السعودي بصورة عامة إلى حداثيين ومعارضين للحداثة، ولحق هذا التقسيم الملاحق والصفحات الأدبية في الصحف والمجلات، فهيمن على أغلبها التيار الحداثي، ولم يكن لمعارضي الحداثة سوى عدد محدود من تلك الملاحق الأدبية، من أبرزها ملحق صحيفة «الندوة»، وكرس كل فريق لعدد من الرموز، فمن رموز النقد الحداثي في ذلك الوقت: الدكتور عبد الله الغذامي، وسعيد السريحي، وفي المقابل كان محمد عبد الله مليباري، وأحمد الشيباني يمثلان أبرز النقاد الذين تصدوا لتيار الحداثة بالنقد..

في تلك الفترة كان للملاحق الأدبية إيقاعاتها الساخنة، ولها متابعوها وقراؤها، وكنت مشرفا ثقافيا لبعض الوقت على ملحق «الأربعاء» الذي تصدره صحيفة «المدينة»، وكان الخيار الذي تبنته أسرة تحرير ذلك الملحق أن يفتح صفحاته للحوار بين التيارين، فانفرد بنشر حلقات طويلة من حوار الحداثة بين الناقد الدكتور عبد الله الغذامي، والمفكر أحمد الشيباني، وشارك في ذلك الحوار كتاب ونقاد من هنا وهناك، كما شهد ذلك الملحق أول حوار مباشر بين رموز من التيارين ضم: عبد الله الغذامي، ومحمد عبد الله مليباري، وعابد خزندار، ورئيس تحرير صحيفة «الندوة» آنذاك يوسف دمنهوري، وآخرين.. ولم يخل هذا التوجه لملحق «الأربعاء» من معارضين أطلقوا على هذا التوجه مصطلح «التوفيقية»..

وكنت أظن أن الزمن قد تجاوز تلك التقسيمات، وأن الفريقين قد أدركا أن ساحة الأدب تقبل مثل هذا التمايز دونما حاجة إلى مصادرة الآخر، لكن مقال الجفري المنشور عدد السبت الماضي بعنوان «ما بين القديم والجديد» أعادني أو أوشك أن يعيدني إلى أزمنة التصنيف الأدبي، الذي بلغ حد القطيعة بين الأفراد..

أتمنى لروادنا الكبار أمثال الجفري حضورا يليق بمكانتهم في صحافتنا، وندواتنا، ومشاركاتنا.. فأي حمق يمكن أن يقود البعض إلى توهم انتهاء صلاحية أولئك المبدعين؟

[email protected]