إيران والحكومة العراقية.. هل انتهى شهر العسل ؟!

TT

ثمة تحولات حدثت على الصعيد الإقليمي خلال الأيام الماضية، تكشف وبامتياز تلون السياسة وما أدراك ما السياسة، فعندما يعلن العراق رسميا مسؤولية إيران، عن الأحداث الأمنية التي شهدتها مؤخرا العاصمة بغداد ومدينة البصرة، فان ذلك أمر لابد من التوقف عنده. فالناطق الرسمي لخطة فرض القانون أشار إلى أنهم عثروا خلال فترة الأربعة أسابيع الماضية على أسلحة إيرانية الصنع فضلا عن تأكيد التيار الصدري بامتلاكه للسلاح الإيراني، وحديث محافظ البصرة لـ«الشرق الأوسط» من ان الحكومة تعلم جيدا ان الأسلحة من إيران، مما دعاها بان ترسل وفدا إلى إيران لاطلاع القيادة الإيرانية على تدخل الزعماء الإيرانيين ومناقشة المخاوف بشأن تسليح وتدريب الميليشيات الشيعية في العراق، موضحا أن الوفد يحمل «أدلة، واعترافات، وصورا» تدل على أن إيران تزود المقاتلين، بالأسلحة. هذه الأمثلة وغيرها مهمة في هذا السياق للبرهنة على التدخل الإيراني في الجسد العراقي وهو ما فتئت ان تنفيه طهران على الدوام. على ان المعضلة تبدو واضحة في أن إيران دخلت العراق من الزاوية الطائفية وليست كدولة تعارض الاحتلال، وتواجدها كطائفة في النسيج الطائفي العراقي، وعبر ميليشيات وأحزاب متحالفة معها، وهنا يكمن لب المشكلة.! وهو ما أدركته الحكومة العراقية متأخرا وهو موقف مهم منها، رغم غموضها في الماضي وعدم تسميتها الأسماء بأسمائها وفق مقال الزميل طارق الحميد، ولكنها أن تدرك متأخرا خير لها من ألا تدرك ابدأ.

وكانت تقارير بريطانية منشورة وأكدها مسؤول بريطاني من ان بعض المعتقلين اعترفوا خلال التحقيقات معهم ان الإيرانيين يركزون منذ بداية العام 2006 على تزويد حلفائهم الشيعة في العراق بجسور برية كثيفة من الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات، تماماً كما فعلوا مع حزب الله في لبنان عندما زودوه بأنواع متطورة من الصواريخ وبعناصر من الحرس الثوري الإيراني. ولعل هذه المعلومات في حال صحتها تكشف إلى أي مدى بلغ التدخل الإيراني العسكري والاستخباراتي في العراق ولبنان، مما يمكننا وصفه بالخطير والمقلق في آن.

لقد ألمحت التقارير إلى ان المخطط الإيراني يرمي الى تقسيم العراق من اجل ان تحقق قيام «الدولة الشيعية الإيرانية الجديدة» على حدود الكويت والسعودية، أي في قلب مصالح الغرب النفطية حسب قولها. إن تعاظم الدور الإيراني الإقليمي من خلال استغلال الوضع المتأزم في العراق، ناهيك من لغته المتشددة والانفعالية قد يجر المنطقة إلى خيارات مؤلمة وهو ما بدأ يلوح في الأفق، مما يعني دخول دولها إلى مرحلة عدم الاستقرار الأمني والسياسي.

وللمضي مزيدا من الشفافية، نقول ان علاقة العرب مع إيران عبر التاريخ فيها شيء من الريبة، وان الأخيرة لها الرغبة في التوسع والتهديد، ناهيك من خطابها الراهن الذي يفتقد إلى الدبلوماسية واللياقة، كما انها وضعت خياراتها الأمنية والعسكرية في سلم الأولويات على حساب الاستحقاقات الداخلية من وضع اقتصادي مترد وانفجار سكاني وترهل تعليمي واجتماعي.

وبالتالي لم يعد سرا ان ما دفع دول المنطقة إلى عقد تحالفات عسكرية مع الغرب هو نتيجة للتهديدات الإيرانية في الثمانينات فضلا عن الفارق المهول في القدرات العسكرية والبشرية بينها وبين إيران مما جعلها تعقد صفقات عسكرية في الفترة الماضية نتيجة لهذا القلق المتراكم. ولعل أسلوب تعاملها معها وما تفعله في العراق، يكشف فعلا مخاوف الخليجيين على أكثر من صعيد، لان الخليجيين يرغبون في أن ما يجري داخل العراق ليس على حسابهم، ولا يشكل تهديدا لأدوارهم الإقليمية. ان غياب وجود توافق عراقي وطني يستقطب الأغلبية العراقية حوله بكل تكويناته العرقية والاثنية، فضلا عن التدخلات الخارجية السلبية التي تمارس من قبل قوى إقليمية لتعطيل أية عملية سياسية، بات يحتم على الحكومة العراقية البحث عن مخرج يؤدي في نهاية المطاف إلى فتح صفحة جديدة لترسيخ الحوار الداخلي .

وهذا يقودنا إلى التذكير بالدور الأميركي وما يطرح من تسريبات حول المفاوضات الأميركية الإيرانية وأثمانها، فالمأزق الأميركي في العراق، يجعل المرء يخمن لمَ التشدد والتعنت الإيراني، لاسيما في مسألة تخصيب اليورانيوم، كون طهران موقنة أن واشنطن غير قادرة في الوقت الراهن على دخول حرب جديدة فضلا عن تحمل تداعياتها في المنطقة ولعل القراءة العقلانية لمثل هذه تصريحات، تقودنا إلى مغزى الصفقة والمكاسب والتي تعني لإيران الشيء الكثير، فطهران تبحث عن اعتراف معلن بوجودها وشرعيتها كدولة ونظام من قبل واشنطن فضلا عن ضمانات لدورها الإقليمي وقبولها في المجتمع الدولي منظورا إليها أيديولوجيا واقتصاديا وسياسيا، والتعامل معها على هذا الأساس مما يفتح باب التعاون والاتفاقيات. أما الغرب المتمثل بأميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فهو موقن ان ثمة أوراقا تجمعها اليد الإيرانية سواء في العراق أو جنوب لبنان أو حتى تأثيرها في المشهد الفلسطيني من حيث دعمها المعلن لحماس، فضلا على ان فتح حوار مباشر بين هذه الدول مع الحكومة الإيرانية سيؤدي إلى تقليم الأظافر الروسية في المنطقة، وإضعاف للتقارب الصيني الروسي (اليسار الجديد) المؤثر في ملفات المنطقة الشائكة، ولعل هذا ما يفسر التقارب الخليجي ـ الروسي في الآونة الأخيرة. على أي حال، رفع اليد الإيرانية عن العراق سيساهم في تحجيم الفكر الطائفي والعرقي، ويحقق مفهوم الوطن الموحد ، مما يكفل بإنهاء الاحتلال ويكرس شرعية الحكومة، وفي ظل دستور يعطي للمواطن العراقي حقوقه ويحافظ على انتمائه وكرامته.

لقد انتهى شهر العسل، ولكن بإمكان الإيرانيين جعل الأيام القادمة شهور عسل مع دول المنطقة، إذا ما أعادوا النظر في سياساتهم وغلبّوا امن واستقرار الإقليم على مصالحهم الذاتية.! فهّلا أبصروا وأقدموا !!