عمرو موسى بين «التمثيلية» اللبنانية و«التمثيل» المصري

TT

يتساءل اللبناني المستقيم الرأي في لحظة إحباط شديدة الوطأة:

لماذا نفعل هذا الذي نفعله بالأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، مع انه الأكثر رفقاً بلبنان، المبتلى بأزمة المكايدة على حساب المؤسسات والكيان، من بين سائر الأمناء السابقين عبد الوهاب عزام وعبد الخالق حسونة ومحمود رياض والشاذلي القليبي وعصمت عبد المجيد رحمة الله على الذين رحلوا، واطال الله أعمار الذين يتابعون مع المتابعين احوال البلاد والعباد من المحيط الى الخليج؟

ولماذا لا نغتنم حرصه وِصدْق سعيه وحيويته وسعة صدره وابتكاراته فنتجاوب مع هذا السعي ونسجل الامتنان لهذا الحرص وذاك الصدق وتلك الحيوية؟

ولماذا كلما جاءنا مستبشراً خيراً نعيده الى المُربَّع الاول وكأنما نقول له: لا موجب للحضور، فنحن قبائل تنتسب الى «داحس» و«الغبراء» ومن دون ان نخجل من ذلك. ألم يتفاصح البعض من الذين يتلاعبون بمصير البلاد والعباد متسلحين برأي عام تولَّى تزعيمهم او ارتضى صاغراً هذا التزعُّم، ورددوا اكثر من مرة بما معناه انهم على استعداد لإبقاء كتاب الأزمة مفتوحاً مئة سنة، اذا كانت مطالبهم لن تتحقق؟ ثم أليس هذا ما يفعله الفلسطينيون الغاضبون من وضْعِهم او المغضوب عليهم من رب العالمين، لا ندري؟ كذلك أليست قبائل بلاد الرافدين تفعل الشيء نفسه، وتسيل الدماء البريئة ودماء المغرَّر بهم على وقع العزف الاميركي ـ الايراني بآلات الدمار؟

لقد جاء عمرو موسى المرة تلو الأخرى الى بيروت. ولا نظن ان الرجل خالي المشاغل او أن لبنان «الضاحية» و«قريطم» و«عين التينة» و«بكفيا» و«معراب» و«الرابية» و«كليمنصو» قلاع رموز الأزمة هي خير أمكنة للترويح عن النفس في هذه الايام. ولكنه يأتي لأنه حاذق في قراءة الكف السياسي الاقليمي والدولي، ويملك قدرة تفسير ما بين سطور المواقف اكثر من أي رمز آخر من رموز الأزمة اللبنانية بنوعيهم: العنيد والأكثر عناداً. ومع ذلك فإن سعيه لا يثمر ليس لأن الرجل لا يطرح الحلول المتوازنة، وإنما لأنه متجرد. لكن الذين يخاطبهم وفي معظم الاحيان يتمنى عليهم، ونكاد نقول يرجوهم ان يتقوا الله في ما يفعلون، لا يرتاحون الى من هو متجرد ويتعاملون معه على اساس إقناعه بالتحزب لهذا الطرف او ذاك. ومن اجل ذلك لا تستقيم الأمور.

وعندما لاحظت الدولتان العربيتان الكبريان مصر والسعودية، ان الأمر يحتاج الى بعض المساندة للأمين العام، فإنهما حوَّلاه إلى «ساعي المبادرة العربية لحل الأزمة اللبنانية». والساعي هنا ليس «ساعي بريد» يبلِّغ المعنيين بما تم الاتفاق عليه وينقل الجواب، وانما الساعي بمعنى «باذل المسعى» المتوَّج هذه المرة بموقف عربي واضح كل الوضوح اسمه «المبادرة العربية». ومع ان هذه المبادرة لم تحدد مواعيد ولم تأخذ شكل القرار كمثل القرارات التي تصدر عن مجلس الأمن الدولي ويطول احياناً تنفيذها، وربما يكون الزمن عقوداً مثل القرار 242 على سبيل المثال لا الحصر الذي بلغ الواحدة والاربعين سنة من تأجيل التنفيذ الكامل له، إلاَّ أنها كانت موقفاً له صفة القرار، وإلاَّ فما معنى ان زيارة الرئيس نبيه بري الى السعودية مرتبطة بفتحه ابواب برلمان كل اللبنانيين، وان رغبة الرئيس بشَّار الأسد في زيارة المملكة، لا تتم ما دام كرسي الرئاسة اللبنانية فارغاً.

يوم الخميس الأول من مايو (ايار) 2008 جاء الأمين العام عمرو موسى الى «عاصمة المعاندين» بيروت وفي اعتقاده ان ما كان مستعصياً يسير الى حلحلة، وان ربيع لبنان هو ربيع الحل الذي سيأتي بصيف الازدهار. لكنه وجد لدى زعماء قبائل الأزمة ان العناد الى ازدياد والتعقيد الى استحالة وبقايا الايمان بالوطن الى الكفر. وغادر بيروت حزيناً على ما انتهى اليه حال هذا الوطن من قِبل زعامات تتقن التلاعب وفي اعتقادها ان اللعبة السياسية تتطلب ذلك.

يواصل اللبناني المستقيم الراي التساؤل:

الى متى؟ وهل ان الوطن هو حقل ممارسة نزوات لمن شاءت ظروف خارجة على الاصول ان يتزعموا. ولكن هل ان مشيئة الظروف نفسها تقتضي بقاء الرأي العام اللبناني على هذا السكوت المريب؟

أما الأمين العام عمرو موسى، فغادر الى عرينه في القاهرة يتابع امراً آخر كان بدأه لمعالجة حالة غريبة اصابها «فيروس» العناد هي الأخرى، ويتمنى ألاَّ يطول علاج تلك الحالة وإلاَّ تصبح مثل الحالة اللبنانية، مع اختلاف النوعية. وخلاصة الحالة ان نقيب الممثلين المصريين اشرف زكي وأمام هجمة الفنانين العرب من ممثلين ومطربين اناثاً وذكوراً على مصر، اصدر قرارات تحد من حضور هؤلاء ونشاطهم في مصر، لأنهم بذلك يأخذون من طريق زملائهم المصريين. وحيث ان عمرو موسى هو الأمين العام للجامعة العربية المسؤولة عن كل انواع هموم الأمة، فإنه ادخل هذه الحالة الى دائرة الاهتمامات شأنها شأن الحالات السياسية والعسكرية والاقتصادية ووجَّه بإصدار بيان يدعو فيه النقيب المصري الى اعادة النظر في ما اتخذه من قرارات غير منطقية. وخشية ان تكون ذاكرة النقيب غافلة عن الحضور العريق لغير المصريين في المجد الفني والسينمائي والطربي المصري، فإن البيان تحدَّث عن افضال بعض هؤلاء امثال بيرم التونسي ونجيب الريحاني وجورج ابيض وفريد الاطرش واسمهان ونور الهدى ويوسف شاهين ونجاح سلام وعمر الشريف وكثيرين غيرهم.

الى ذلك أضاف البيان «إن التفاعل بين المواهب العربية والمصرية اثرى الحياة الثقافية المصرية والعربية، وساهم في بلورة المزاج الفني في العالم العربي من مشرقه الى مغربه، ولذا فإن ضوابط تنظيم عمل الفنانين العرب يجب ألاَّ تتحول الى عوائق امام الإبداع وإلى قيود على الاعمال الفنية.. ».

هل يا ترى سيتعامل نقيب الممثلين المصريين، المتأثر على ما يبدو بنبرة غضب الرئيس الراحل انور السادات من العرب، لأنهم قرروا في لحظة رد فعل متسرعة، نقل الجامعة العربية من القاهرة الى تونس، فقال عبارته الشهيرة «خدوها.. انا مش عايزها»، مع تمنيات عمرو موسى بمثل تعامُل «نقابة السياسيين العنيدين المتعجرفين غير العاقلين اللبنانيين» مع وطنهم لبنان الذين يريدونه ساحة لغير شعبه؟

يختم اللبناني المستقيم الرأي في لحظة إحباط شديدة الوطأة التساؤل بالتمني ان يكون الممثلون المصريون في شخص نقيبهم أشرف زكي، اكثر تعقلاً من «الممثلين» ابطال مسرحية الأزمة اللبنانية التي يتواصل عرضها للشهر السابع على التوالي، ومن دون ان يصفق احد لهؤلاء «الممثلين». وهكذا ستبقى المسألة حتى إشعار آخر تمثيلاً بتمثيل، وعمرو موسى بين التمثيليتين... اكثر من متفرج.