صحافة تودع

TT

في الغالبية العظمى من دول العالم تعاني الصحف من هبوط حاد في معدلات التوزيع وعزوف واضح من القراء والمعلنين، واتجاههم لوسائل إعلامية بديلة كالتلفزيون والانترنت. وقد تكون منطقتا الشرق الأوسط والشرق الأقصى هما الوحيدتان اللتان تشهدان نموا في استهلاك ورق الطباعة والصحف، وازدياد في التوزيع وكذلك ازدياد في عدد المطبوعات الجديدة. ويبدو ذلك بوضوح في اليمن والأردن ومصر والكويت والبحرين والمغرب والعراق تحديدا، مع وجود بعض الاصدارات الجديدة اللافتة في سوريا ولبنان وقطر والسودان. والآن هناك إصدارات صحفية جديدة باللغة الانجليزية وتحتل مكانة لافتة لعل من أبرزها تجربة صحفية «ذي نايشون» الطموحة في أبي ظبي والتي تم استقدام فيها كوادر من النيويورك تايمز، الوول ستريت جورنال والديلي تلغراف، وتصدر بإمكانيات ضخمة جدا وينضم إليها الطبعات الاقليمية لاصدارات عالمية بالغة الأهمية مثل الهيرالد تربيون والفاينانشال تايمز، وهذا الزخم من الاهتمام الاعلامي بالاسواق الناشئة من المفترض أن ينعكس إيجابيا على مناخ الصناعة الاعلامية بتطوير أدواتها وتحسين قدرات الكوادر البشرية فيها بالتدريب المستمر. والاعلام العربي لا يزال في منطقة «صعبة» تقع ما بين الانفتاح الاعلامي الحاصل في العالم والتشريعات المساندة لذلك والخاضعة لرغبات الشفافية والمكاشفة الحاصلة المطلوبة، وما بين التضييق الاعلامي من الاجهزة الرقابية التابعة للحكومات. فالمستوى المهني في الاغلبية الكبرى من الاصدارات الصحفية لايزال بعيدا عن المنهجية المطلوبة وبالتالي يفتقد الجدارة والمصداقية، ولا تستطيع هذه الاصدارات أداء وتقديم الخدمات وتحقيق الطموحات المأمولة منها في هذا الوضع. والاعلام المكتوب عالميا يمر بأزمة لافتة، فهاهي الصحيفة الفرنسية الأهم والأبرز «لوموند» تواصل تعاطيها مع أزمتها الأخيرة، والتي أدت الى احتجابها عن الصدور بشكل أصاب قراءها بالقلق الكبير . وها هي صحيفة «الوول ستريت جورنال» تواصل تغيير جلدتها، بعد أن تملكها روبرت ميردوخ لتصبح ذات مواضيع «أخف» وتتناول الشؤون «العامة والمتنوعة» لتصبح أكثر قدرة على منافسة عملاق الاعلام المطبوع الأمريكي صحيفة «النيويورك تايمز».

وقراء الجورنال قلقون جدا من التغيرات التي سوف تطرأ على المادة التحريرية في صحيفتهم التي عرفت ولسنوات طويلة جدا باسلوبها المميز واعتبرت مدرسة في ذلك، وأن يصيبها ما أصاب صحيفة «التايمز» اللندنية العريقة التي شوهت بعد أن آلت ملكيتها لميردوخ أيضا. الاعلام الخاص في عالم الصحافة بات عملة نادرة جدا والمؤثرات المتزايدة من الشركات وتدخلاتها سواء في الملكية أو قوة الاعلانات، وكذلك ملكية الساسة باتت عنصر تأثير واضح وكبير على ملاءة الخبر ومصداقيته.

تشققات الانهيار في الصحافة المكتوبة بات واضح المعالم في الدول الصناعية وما هي إلا فترة من الوقت حتى تنتقل ذات العدوى الى دول العالم الثالث، وإن كان ذلك غير مرشح أن يحدث فورا، ولكنها عبر من المفيد التمعن فيها والاستفادة منها.

[email protected]