الارتباك المصري مع حماس

TT

ثمة ارتباك واضح في تعامل الدبلوماسية المصرية مع ملف غزة، وعلى وجه التحديد مع حركة حماس، التي تسيطر على القطاع، ولعل انتماء حماس للامتداد الحركي للإخوان المسلمين، أثر في تعامل الدبلوماسية المصرية معها، ومن ثم تأثيرهذه العلاقة المرتبكة على القطاع، فحين زوت حركة الإخوان المسلمين يد الحكومة المصرية من خلال الدعوة إلى الاضرابات والمظاهرات، لم تثمر الغضبة المصرية عن سجن عدد من قادة وكوادر الحركة في الداخل المصري فحسب، بل تأثرت ـ فيما يبدو ـ العلاقة مع حماس سلبا، وهذا ربما فسر النبرة الغاضبة في التصريحات غير المسبوقة، التي وجهها القادة المصريون مؤخرا لحماس وقادتها، ولو دققنا في التوقيت لوجدناه متزامنا مع التبرم في الداخل المصري من حركة الإخوان ومناكفاتها السياسية للحكومة المصرية.

بالتأكيد، فإن للدبلوماسية المصرية نظرة استراتيجية وسياسية وتاريخية لقطاع غزة لا تنكر، وهي في بعض الأحايين ترقى فوق النظرة للانتماءات الحركية للفصائل الفلسطينية كما فعلت الحكومة المصرية مع جموع الفلسطينيين الغزاويين الذين اقتحموا الحدود الفلسطينية المصرية لفك الحصار عن قطاع غزة وإمداده بالمواد الضرورية، وكذلك اتصالاتها الجيدة مع قادة حماس، لكن في نفس الوقت لم تنعتق الدبلوماسية المصرية من النظرة إلى الانتماء الأيديولوجي لحركة حماس ونهجها في المقاومة، وتأثير ذلك على تعاملها السياسي مع حماس ومع قطاع غزة الذي تحكمه، وهذا في تقديري ما جعل الحكومة المصرية في موقف أكثر قابلية للتأثر من الضغوط الأمريكية الإسرئيلية لإقصاء حماس من أية معادلة سياسية حتى ولو كانت للتهدئة مع إسرائيل.

لقد غيرت الحكومة المصرية موقفها تجاه أية محاولة جديدة لاجتياز الفلسطينيين الغزاويين حدودها مع غزة، مهما كانت المبررات، ووصل التبرم المصري إلى حد التهديد بأخذ تدابير أكثر صرامة مع المتسللين ومع حماس على وجه الخصوص، ومما أزم الموقف المصري من القطاع قرارها ببدء تصدير الغاز المصري وبأسعار مخفضة لإسرائيل، في وقت يشهد فيه قطاع غزة نقصا مريعا في مختلف أصناف الوقود، وعلى رأسها الغاز الطبيعي، ولو كانت السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها فتح، هي التي تحكم قطاع غزة المحاصر، لما صدرت هذه التهديدات والنبرة الحادة في التصريحات، ولربما نال القطاع نصيبه من الغاز المصري.

كان على الحكومة المصرية أن تكون أكثر توازنا في التعامل مع نزاع الفصائل الفلسطينية، وخاصة حركتي فتح وحماس، وكان عليها أيضا أن تكون أكثر إدراكا للثقل السياسي والعسكري الذي تمثله حركة حماس التي تحكم قبضتها على القطاع في المعادلة الفلسطينية كي تصل لحل للمعضلة الفلسطينية ـ الفلسطينية.

وكان على الدبلوماسية المصرية، وإن كانت لا ترضى عن حماس وأيديولوجيتها أن تكون في موقف المبادر والمؤثر في الدبلوماسية الغربية في التقدير الحقيقي لوزن الحركة وثقلها، وإدراجها في المعادلة السياسية الفلسطينية. المؤسف أن الذي أدرك هذا الدور المحوري لحركة حماس هم الغربيون من خلال اللجنة الرباعية، فقد ذكرت صحيفة الاندبندنت البريطانية تحت عنوان «الرباعية تفتح الابواب لإنهاء عزلة حماس» ان القوى الكبرى اقرت رسميا لأول مرة ان سياسة عزل حماس من خلال الحصار الاقتصادي لم تجد نفعا، كما جاء في البيان الختامي لهذه اللجنة الذي عقد مؤخرا في لندن، ان سياسة الحصار التي أريد بها ان يتمرد الفلسطينيون على الحكومة التي شكلتها حماس في غزة، هذه السياسة خرجت بنتائج معاكسة كما سببت كارثة انسانية لنحو مليون ونصف فلسطيني يعيشون في القطاع، هذا الموقف السياسي الواقعي والمتوازن كان من المفروض أن تكون مصر الدولة المحورية، وذات الثقل السياسي في المنطقة هي المبادرة والسباقة إليه.

ربما رأينا في الأسابيع المقبلة، تحولا إيجابيا في الموقف المصري من قطاع غزة وحركة حماس، بسبب موقف الرباعية ونتائج مؤتمرها في لندن، بل لعله ظهر، وكان الأحرى بالحكومة المصرية، أن تجعله بيدها لا بيد عمرو الغربي.

[email protected]