أميركا.. قمة الإهانة

TT

وصلت بنا الطائرة البريطانية إلى مطار دالاس في العاصمة الأميركية قرابة الساعة الثامنة بتوقيت واشنطن، وما ان وصلنا لموظفي الجوازات حتى بدا الأمر وكأننا في عالم آخر. قرابة ثلاث ساعات من الانتظار حتى يقوم موظفو الجوازات بمراجعة جوازاتنا للمرة الثانية، وأخذ البصمات والصور للمرة الثانية أيضا، بعد أن قاموا بنفس الاجراءات مع عموم المسافرين.

استهتار، لا يمكن وصفه، بمن تم انتقاؤهم للتدقيق الأمني، رجال ونساء، بعضهم في العقد الثامن من العمر، ناهيك من وجود أطفال. الطلاب السعوديون الذين وصلوا عند الساعة الثانية ظهرا بتوقيت واشنطن لم يغادر آخرهم إلا قرابة الساعة العاشرة، في منظر محزن، ومخز.

يسألني أحد الإخوة المصريين وهو رجل كبير في السن «وما الذي سيفعله رجل بسني؟»، ثم يضحك مضيفا «وبعدين يقولوا ليه بيكرهونا!».

هذه ليست المرة الأولى التي أرى فيها ما رأيت، بل وتحدث معي عند كل زيارة، أيا كانت أسبابها. هذه المرة وبعد أن سألني رجل الأمن عن وظيفتي بدا معتذرا وهو يقول «ليس لديك مشكلة، ولكن نظرا لجنسيتك وعمرك فلا بد من بعض الاجراءات، وللأسف ليس جنسيتك وحدها، بل حتى جنسيات أخرى».

العـــام الماضي سألني رجل الأمن باستخفاف «لماذا ســـافرت إلى باكستان؟»، عرفته بطبيعة وظيفتي، وقلت له لذلك أســـافر، ابتسم ساخرا وقال «عــد إلى مقعدك، وسأعرف كل شيء من الكومبيوتر». حينها انتظرت أيضا ثلاث ساعات بعد رحلة استغرقت سبع ساعات، وقتها قيل لي إنه اشتباه بالاسم!

الإرهاب لم يضرب أميركا وحدها، والقلق الأمني لدى الجميع، كما أن الاجراءات الأمنية لا تعني العقاب الجماعي، مثلما أن الحرص واتباع الأنظمة لا يعني إهانة الآخرين والانتقاص من انسانيتهم.

فالمسؤول عن موظفي الأمن بالمطار كان يطلب أمامنا من زملائه المساعدة بانهاء اجراءات المسافرين حتى يتمكنوا هم من أخذ قسط من الراحة، وليس من أجل انهاء معاناة المسافرين الذين ينتظرون في حالة مزرية اجراءات تدقيق لا تختلف عما تم بالسفارة لحظة الحصول على التأشيرة، أو لحظة الوصول إلى المطار.

سافرت إلى دول كثيرة، متقدمة ومتخلفة، آمنة وخطرة، لم أر امتهانا للناس مثل ما رأيت في المطارات الأميركية، كما لم أر أسوأ من بعض رجال وسيدات الأمن بالمطارات الأميركية. فاجراءات الأمن الأميركية تتم بتعامل غير حضاري.

مهمة الأمن ليست في المطارات وحسب، بل داخل الدولة، وأثناء الاقامة، فمن يأتي من المطار يكون قد تم تفتيشه من محطة المغادرة، ولا يمكن الكشف عن نواياه من خلال كاميرا وبصمة تم أخذها مرارا وتكرارا.

استمرار هذه المعاملة السيئة في المطارات الأميركية اهانة وامعان في تعميق الصورة الأميركية السلبية. فمحزن ما يتعرض له الطلاب الصغار، وكبار السن، ومن هو مضطر للسفر من أجل عمل أو علاج. سوء التعامل في مطارات أميركا، لا يشبه أميركا من الداخل على الاطلاق!

[email protected]