المقاومة بالفكاهة

TT

استعملت اوروبا اساليب وأسلحة متنوعة في مقاومتها للاحتلال النازي. جاء في مقدمة ذلك اساليب العمل اللاعنفي التي تضمنت التنكيت والسخرية. وانطوى هذا على إصدار شتى المطبوعات الفكاهية والكاريكاتيرية التي تسخر من هتلر والالمان والنازية. برزت في ذلك بصورة خاصة النرويج. وكان لهذا النشاط الفكاهي اهميته القصوى بالنسبة للنرويجيين. لقد نظر اليهم هتلر كنموذج اعلى للعنصر الآري وطمح الى غسل أدمغتهم بالفلسفة النازية وكسبهم الى جانب دول المحور. اقام فيها حكومة صنيعة ترأسها العميل كويسلنغ الذي بذل جهودا كبيرة لغرس الروح النازية في الشعب وحملهم على احتضان الاحتلال والتعاون مع المانيا.

ذكر الباحثون ان المعارضين والمقاومين، وكان جلهم من الاشتراكيين اليساريين، قد وجدوا في السخرية من النازية والاحتلال الالماني خير سلاح للرد على عملية غسل الدماغ ونسفها من اساسها. بادر المقاومون الى إصدار مجلات سرية للتنكيت على الحكومة الصنيعة والفلسفة العنصرية النازية. بادر الظرفاء بصورة خاصة الى سرد النكات اللاذعة عن الرئيس كويسلنغ حتى تحولت هذه النكات الى مجموعة كاملة عرفت باسم النكات الكويسلنغية. وقد جمعتها ونشرتها بعد الحرب في مقالة لها الباحثة النرويجية كاثلين ستوكر بعنوان «فكاهات كويسلنغ في النرويج الهتلرية». ذكرت ان تلك الفكاهات ساعدت ذلك الشعب الصغير على الاحتفاظ بكرامته وثقته بنفسه.

كان من محاولات كويسلنغ النازية اصدار طوابع تحمل صورته لمنفعة المجهود الحربي لألمانيا الحليفة. اوحت هذه الطوابع بنكتة شاعت في كل العالم حيث اقتبستها سائر الشعوب بما فيها بعض الشعوب العربية.

لاحظ كويسلنغ ان الناس لم يستعملوا هذه الطوابع في بريدهم. نادى على مدير البريد وسأله عن ذلك. فأجابه قائلا ان الجمهور يجدون صعوبة في لصق هذه الطوابع. استغرب الرئيس من ذلك فأخرج طابعا منها ليتأكد. بصق عليه ولصقه فالتصق.

ـ انظر التصق. لماذا تقول انه لا يلتصق؟

ـ يا سيدي الرئيس انك بصقت على جانب الصمغ. ولكن الجمهور يبصقون على الجانب الذي فيه صورتك.

اما في فرنسا فقد عمد المقاومون المدنيون الى اسلوب آخر من الظرف. لاحظوا هوس الالمان بالببغاوات. فعلموها ان تقول «يسقط هتلر». يشتريها الضابط الالماني فلا ينفك من سماع الببغاء تردد طوال النهار «يسقط هتلر». قرر احدهم شراء ببغاء من الكنيسة ليضمن عدم تعلمها على هذه العبارة. دفع للقس ثمنها واخذها للبيت. وهناك حاول تجربتها والتأكد منها. وقف امامها ليمتحنها فقال: «يسقط هتلر». فرددت الببغاء بخشوع: «آمين!». وما ان انصرم النهار حتى اصبحت الحكاية على صفحات النشرات السرية الفكاهية الساخرة.

النكات النازية موضوع واسع الآن اوحى بالكثير من المؤلفات والافلام السينمائية، كان منها كتاب «هايل هتلر، داس شفاين استوت» ( يعيش هتلر ـ الخنزير مات) الذي كتبه السينمائي رادولف هرتزغ واخرجه في فلم فكاهي نال شعبية واسعة.