الوحدة حياة اليمنيين

TT

لا ينحاز المرء هنا الى موقف اطراف زائلة ومتغيرة، بل الى قضية، فكرة وهدف ثابت تنشده الأجيال وتعمل على تعزيزه وحمايته وهو: الوحدة.

***

يشقى اليمن السعيد بـ«تاريخ الحروب والفتن» و«الازمات المتجددة».

وفي ظل شقائه ـ دائماً وابداً ـ تلتقي الظروف الداخلية مع المؤثرات الخارجية مستفيدة من «فقر ووعي» ومعتمدة عليه ومعبرة عنه.

يستثمره سياسياً متلاعبون بالقضايا الكبرى والثوابت الاساسية.

وواحدة من ثمار هذا «الاستثمار السياسي» غير المفيد للتجربة اليمنية، تلك التظاهرات التي تسرب اليها المندسون ليخدشوا صورة هذه التجربة. لتضاف بذلك الى صفحات «تاريخ الحروب والفتن» صفحة جديدة عنوانها: ازمة الثقة بالنفس.

نعم... ازمة ثقة بالنفس ليس إلا... فحين استشعر المتلاعبون ضآلة دورهم، في الوقت الحاضر، عزفوا عن الاسهام الايجابي وانطلقوا نحو التغذية السلبية لوعي البسطاء، مغتنمين «فقر الوعي»، «ضيق الحال» وجوعاً غير مميت!!

وهبّوا ينسفون كل منجز، يتجاهلون كل حاضر، ويستحضرون كل غائب. واصابوا خطأ تاريخهم ورصيدهم!

وبدلاً من مشاركتهم في «حماية الوحدة» اشتركوا في تهديدها بشكل مباشر ومبطن باسم حمايتها!

فإن خوفي عليها من أحبتها أشد خوفاً عليها من أعاديها

محمد أحمد منصور

ولا يُلام هؤلاء... ولا اولئك... الذين اندفعوا يهددون بلافتة او بقنبلة.

ان مشروع الوحدة اليمنية اكبر من فريق لاعبين اساسيين وشلة متلاعبين ثانويين... وأعظم من مجرد لعبة! وهنا، نستذكر كيف بادر اليمنيون في الخارج والداخل يدافعون عنها، يوم تصور بعض خطأ عام 1994 ان التراجع عنها سهل ويحظى بالتأييد!

ثم المحيط باليمن، محيط موحد مع الإقرار بالتعدد الاجتماعي والفكري والثقافي والمذهبي فيه والمكون له، وهذا التعدد في اليمن وخارجه من شأنه الانسجام مهما اختلفت ثقافة كل طرف على حدة. وليس يستدعي هذا الاختلاف الداخلي انفصالاً، فالانفصال ليس حلاً، إذ له مخاطره... ومنها الدوران حول النقطة ذاتها، استعادة الوحدة ولكن بآليات عنف ودمار وتخريب، وعقود طويلة سبقت اعادة الوحدة عام 1990 شهدت مثيلة تلك الآليات. بالانفصال تعود دعوة العودة الى الوحدة.

وتحقيقاً لهذه الدعوة يكون:

* خوض حروب اهلية

* اتباع سياسة الاستقطاب لبعض الاطراف في النظم المشطرة

* تغذية التمرد المسلح والمعارضة السياسية في كلا الشطرين، ان عادا شطرين فقط

بالتأكيد توقع هذه المخاطر وآثارها السلبية لا يشجع احدا على تقبل قرار ودعوة الانفصال الذي يتراجع عن واقع قائم، وهو التوحد. كما ان مسايرة هذا القرار او التيار او الموجة الداعية لذلك ولو ظاهرياً تعمقه باطنياً.

لذا تستمر الوحدة في اطار الجمهورية اليمنية، وإن حفلت بالمشاكل والازمات التي تستوجب اصلاحا شاملا، تستمر هدفاً ثابتاً وواقعاً ملموساً أمام الدعوات والصرخات المتناثرة في الفضاء خلافاً للثابت في الارض.

الوحدة حياة اليمنيين.

وكونها كذلك. وما عداها فهو موتهم وفناؤهم. وقبل ان يوغل المتلاعبون في قضايا اليمن أياً كانت مناطقية، مذهبية، طائفية، اقتصادية، سياسية، ثقافية، اجتماعية، فعلى اليمن التخلص من «فقر الوعي المزمن» بتناديهم جميعاً الى الحؤول دون «تفاقم الازمات وتجددها» الى حد اكبر من الذي نفخته تصورات المتلاعبين، وليطوي اليمنيون بذلك «سفر الحروب والفتن». فلا يعقل في الوقت الذي تتنادى فيه دول المنطقة الى التلاحم في صفوف ابنائها، وتؤكد قيادات هذه الدول مراراً حرصها على وحدة اليمن، وهي حياة اليمنيين، لا يعقل ذهاب اليمنيين بعد حياتهم الى موتهم، وبعد وجودهم الى فنائهم بالتشرذم والتمزق والتفتيت والعودة الى الماضي.

«حماية الوحدة» تُجنِّبُ الشعب اليمني «شماتات الشعوب» من عودة «شرور الجنون الشطري» الذي يضر اقليمياً ولا ينفع دولياً.

* كاتب يمني