لبنان.. قبل أن يختفي

TT

عادت لبنان وقضاياها (المثيرة تارة والمملة تارات) لاحتلال عناوين الصحف ونشرات الأخبار، لتظهر «عجايب» السياسة، وغرائب الطوائف والصراعات المحمومة بينهم. في 27 من شهر أغسطس من العام 2007 وفي هذا العمود كتبت بعنوان (الأرض بتتكلم «عجمي») مقالا ذكرت فيه أن هناك حديثا خافتا عن إنشاء حزب الله لشبكة اتصالات كاملة خارج حدود سيادة الدولة، بعيدة تماما عن أجهزتها الرقابية وسلطتها التشريعية، وتلقيت وقتها اتصالا من شخصية «مجهولة» ولكنها تدافع عن المقاومة والحزب والادعاءات «المشككة» في جدارته وفي مصداقيته، واستمعت الى الديباجة المؤدلجة والتي كانت أشبه بعظة أحد في كنيسة متطرفة، أو خطبة جمعة في خلية متشنجة، وقلت له بهدوء: بكرة الأيام بتبين لنا، وعليه لم يكن غريبا تواتر الأخبار التي تناقلت تصريحات مسؤولين سياسيين لبنانيين ومخاوفهم من شبكة الاتصالات الهاتفية التابعة لحزب الله، وإمكانية تنصتها على خصوم الحزب والفرقاء الآخرين نظرا لـ«تعقيد» أنظمتها وتطورها. وحقيقة لا يمكن إنكار أن دولة حزب الله داخل الدولة اللبنانية بدأت تتخطى حجم «مشروع المقاومة» الذي كان معلنا ويروج له وتجيش له العواطف (ولا شك في أنه كان يساعد على ذلك الانجاز العسكري المشرف لحزب الله خلال مواجهاته مع الجيش الاسرائيلي المحتل، وأرتال الشهداء تؤكد على جدارة المشروع وأهميته وقتها)، ولكن الآن المسألة اختلفت تماما والمشروع تحول من «مقاومة» الى «دولة» و«جيش» آخر مسلح وله منصاته الاعلامية وله «خصوصياته» المناطقية. والآن هيئت له البنية التحتية الملائمة لإجراء الاتصالات وما يتبعها. كل هذا لا يمكن أن يكون أداء بناء للثقة وتكريسا للوحدة الوطنية ولا تأسيسا لفكر لبناني وطني خالص. وحزب الله ينشط بهذا الشكل وسط «تخدير» كامل للحركة البرلمانية في لبنان، التي انتقلت الى غرفة الانعاش بعد أن اغلق وأوصد عليها الأبواب عرابها الاستاذ نبيه بري، وهو الذي اختار الابتعاد عن خط الحياد والموضوعية (بحكم ما يحتمه عليه منصبه على أقل تقدير، ولو كان ذلك من الناحية الشكلية) ليتبنى خطا تصعيديا حول انتخاب رئيس الجمهورية والذي كان دوما ما يحصل مهما كانت المواقف شائكة والخلافات تتصاعد والدماء تسييل، ولكن في نهاية المطاف كان لبنان بفرقائه واحزابه وكل مشاكله كان قادرا على انتخاب رئيس للجمهورية. أتمنى أن يكون الاستاذ نبيه بري قادرا على النوم بسلام، والاستيقاظ بضمير حي، وهو يشاهد ويرى التأجيل تلو الآخر الخاص بانتخاب رئيس الجمهورية، حتى تحولت المسألة الى نكتة سخيفة، ولكن كل ذلك سيكتب في سجله، ويحسب على تاريخه هو شخصيا في يوم قريب. ولكن السيد نبيه بري تناسى منصبه حين سمح بإعادة توظيف مذيعة في تلفزيونه الخاص، وهي تتمنى اغتيال أحد الوزراء في دولته. ولكنه لبنان العجيب المبتلى بزعمائه.

المكالمة التلفونية التي تلقيتها من «مندوب» حزب الله قال لي فيها: «بعد ناقص الخليجي يذكرنا بالديمقراطية» تنهدت قبل أن أجاوبه «لا يا سيدي، ولكن أذكركم بأنه ليس من الضروري أن تبيع بلادك حتى تقاوم، وتقول انك ديمقراطي».

[email protected]