هكذا رفضت الجلوس مع الجنرال بترايوس

TT

لم أكن أتوقع، أن حوارا مع باحثة أمريكية، سيفضي الى مقترح للجلوس والحوار مع قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس، ففي البداية طلب مني احد الأصدقاء، وهو شخصية سياسية مخضرمة ومحترمة، اللقاء مع باحثة أمريكية وأخبرني أنها متخصصة بالشأن العراقي، ومؤثرة في صياغة قرارات الإدارة الأمريكية حول العراق، وجرى اللقاء قبل عدة أسابيع في باحة احد الفنادق الفخمة بإحدى العواصم العربية وبحضور الشخصية السياسية ومترجمة عراقية.

في البداية عبرت الدكتورة Anne spechard عن رغبتها لسماع صورة عن الأوضاع في العراق وتحديدا عن المقاومة، وأخبرتني في البداية بأنها باحثة سايكولوجية، ورغم انني لم اجلس مع سياسي أو عسكري أمريكي منذ بداية الاحتلال وحتى الآن، الا انني لم اترك اية فرصة لشرح القضية العراقية خلال الندوات والمؤتمرات واللقاءات الإعلامية، حتى لو اشترك معي باحثون وسياسيون أمريكيون، وأستثمرها لشرح الجوانب الضرورية في القضية العراقية، وفي أغلب الأحيان، أتحدث عن المقاومة العراقية، وهذا ما حصل مع الباحثة الأمريكية، حيث أوضحت لها الجانب المؤسساتي في بنية المقاومة في العراق، ومنذ البداية وجدتها تطرح أسئلة لا تبتعد كثيرا عن العالم الاستخباري.

تحدثت عن نشأة المقاومة في العراق، وكيف بدأت نشاطاتها منذ الأيام الأولى للاحتلال في ابريل2003، واهتمام رعيلها المؤسس الأول بجمع الأسلحة وتخزينها بطرق علمية، انطلاقا من احتمالات امتداد المعارك ضد القوات الغازية لعشرات السنين، ومن هنا بدأت علامات الاندهاش ترتسم على تقاسيم وجه (الباحثة الأمريكية)، وانتقلت الى قدرات المقاومة في العراق، وكيف تمكنت من إخراج الكثير من سلاح القوات الأمريكية من ميدان المعركة، وضربت مثلا عن استهداف جميع عربات النقل (الهامفي والهمر وبرادلي وكاسحات الألغام وغيرها) بالعبوات الناسفة، وعدم تمكن القوات الأمريكية من تحاشي تلك العبوات، وقلت: ان المقاومة في العراق تمكنت من اسقاط المروحيات الأمريكية ما اجبر القادة العسكريون الى تقليل حركة المروحيات الى ما نسبته 80% في بعض الأحيان، وسرعان ما انتفضت الباحثة، وقالت إن احصائية من هذا النوع لم تعلن، وأضافت ان هذا الكلام غير دقيق، وان القادة العسكريين في العراق ما زالوا يستخدمون المروحيات، قلت لها: هذا صحيح لكن في حالات الضرورة القصوى، وان ما قلته لا يستند الى إحصائيات رسمية، بل انقل ما يتحدث به العراقيون، الذين يرصدون تنقلات المروحيات، وكيف تراجع طيرانها بنسبة كبيرة خلال السنتين الأخيرتين، بعد أن تم إسقاط عدد غير قليل منها في مناطق جنوب بغداد وفي الطارمية وديالى والرمادي وسبع البور والموصل وصلاح الدين، وقلت لها: حتى المروحية التي تقل عناصر حراسة السفير الأمريكي السابق، زلماي خيليل زاد، قد تم استهدافها وإسقاطها في جانب الرصافة من مدينة بغداد. حدجتني بنظرة ذات معنى، صمتت قليلا، وقالت إن الحادث حصل قرب نهر دجلة، قلت لها في منطقة «الفضل» ببغداد، صمتت برهة وقالت ان اعمار الذين اسقطوها بين (12 ـ 14)سنة، فأجبتها انهم الجيل الثالث من المقاومة في العراق، ورمت سؤالا سريعا خاطفا، قالت هل تعرفهم، أجبتها بأنني لا اعرف المقاتلين المقاومين، لكنني اشعر بالالتصاق الروحي بهم، فهم أملنا في طرد المحتلين الأمريكيين وسواهم. قالت ان الحراس الاربعة كانوا من «بلاك ووتر».

طرحت الكثير من الأسئلة، وشرحت لها كيف يعيش جنودهم وضباطهم أوضاعا مزرية، فهم محبطون خائفون، لمجرد ان تستهدفهم المقاومة بالصواريخ والهاونات يهربون الى داخل المواضع المحصنة، والذين يخرجون في دوريات يتوقعون نهايتهم او عودتهم الى امريكا معاقين او مجانين.

حاولت ان تدافع عن الجيش الأمريكي، لكنها في النهاية أقرت بالكارثة التي وصلت اليها أمريكا في العراق. قلت لها لو حصل هذا اللقاء بعد ثلاثة اشهر من احتلالكم العراق، لتحدثت معك ورأسي مطاطيء، أما الآن فانا مرفوع الرأس لأنني أتحدث بقوة وإرادة الرجال المقاومين، الذين يهزمون جيوشكم يوميا منذ خمس سنوات.

صمتت قليلا، زفرت بألم وقالت: نعم ان جيشنا ارتكب الكثير من الأخطاء. قاطعتها قلت: آلاف الجرائم بحق العراقيين، فجاءهم الرد العنيف من المقاومين. اضافت جملة في غاية الاهمية قالت «ان الجيش الأمريكي عبارة عن مجرمين وقتلة وسراق وغير ذلك من الأوصاف السيئة».

هنا، انتقلت السيدة الأمريكية الى نقطة اخرى، وقالت اننا نبحث عن خروج مشرف من العراق، وسألت: هل ذلك ممكن. أجبتها: والعراقيون يريدون خروجكم بأسرع وقت، الا انني سألتها عن دورها في ذلك، أجابتني بأنها قادرة على الإتيان بوزيرة الخارجية كوندوليسا رايس الى العاصمة العربية للجلوس والتباحث معها، حول هذا الموضوع. قلت لها هذا الأمر ليس من اختصاصي، وقضية انسحابكم تحتاج الى جدية عند ذلك، لا صعوبة في الجوانب الاخرى، مع الأخذ بالاعتبار الشروط التي تعلنها المقاومة للوصول الى مثل هذا الاتفاق، وفي النهاية تبقى مطالب العراقيين هي الأساس، فأذى الاحتلال اصاب الجميع.

قبل نهاية اللقاء، اعترفت السيدة آن بأنها زوجة ديبلوماسي امريكي كبير، ولم أتفاجا بذلك. قالت ان ادارتها تبحت عن حل للخروج من المأزق العراقي، وشرحت لها إمكانية ذلك من وجهة نظري، وفي الدقائق التي انهينا فيها الحديث، حصلت جلبة في باحة الفندق، وأخبرني صديقي الذي كان معنا، ان الذي مر أمامنا وسط الحراسات، هو الجنرال ديفيد بترايوس. قلت له لم أنتبه له، فهو يرتدي الملابس المدنية. في تلك اللحظات فاجأتنا السيدة (آن سبيكهارد) بالذهاب الى المكان الذي يوجد فيه بترايوس، وبعد قليل عادت وابتسامة عريضة ترتسم على محياها، وقالت لي بثقة عالية، ينتظرك الجنرال بترايوس للجلوس والتباحث معه، أجبتها بسرعة «أنا لا أتشرف بالجلوس مع بترايوس، فهو قائد جيش يحتل بلدي». قالتك لكننا كنا نتحدث عن إمكانية الانسحاب، قلت: إن هذا الأمر يحتاج الى جدية وهناك من يتباحث حول هذا. أرادت أن اجلس مع مساعديه ورفضت، اقترحت ان يكون التباحث في اليوم الثاني (مفترضة أنني يجب أن أعود الى جهات ما)، رفضت أيضا. تنهدت زوجة الدبلوماسي الأمريكي الكبير، وقالت: أنا لا أؤمن بالصدفة أو الحظ، لكن هل تعتقد أن نقاشنا الهام هذا ومجيء بترايوس (مصادفة) ورفضك الجلوس معه، سيقود الى حل مشكلة بلدينا؟ قلت: نحن نتمنى الحل الحقيقي بأسرع وقت ممكن.

* كاتب عراقي

[email protected]