والقرطاس والقلم

TT

عدت الى بيروت بعد عام من التغيب. ولبنان قسمان: الأرض، ومن عليها. والأرض الآن ربيع أخضر، تلالا وأودية. وبقايا ينابيع هنا وهناك. وبلابل لم يعثر عليها الصيادون وأكلة اللحوم بعد. ومن بيروت الى قريتي عرض مستمر متواصل للروعة والجمال. النصف الأول منها زرقة المتوسط الى يمينك. صاف أجمل من صفو الخاطر وجميل مثل صفاء الضمير. وكأنما الموج يهاجر في مثل هذا الوقت الى بحار أخرى وشطآن أخرى. ويبقى منه عندنا، في هذه الأحواض، مرآة الزرقة السماوية، على يمينك، بطول 40 كيلومترا. من بيروت الى صيدا.

النصف الثاني من الطريق متحف للأودية. يمينا، يسارا، وقبالتك الجبال. وفي هذا الشهر كل واد أخضر وكل وهد أخضر وكل تلة مهرجان للزهور والألوان والأقحوان والشقائق. وعطر الوزال. ولا أدري أي عطر يشبه عطر الوزال. لكن بالتأكيد لا لون يشبه خضرته وصفرته. ولا باقات مثل اجبابه، وقد انتشرت مثل ألوان الرسامين الذين يضعون اللون على القماش وينسون أن يبسطوها.

قلنا، إذاً، قسمان: الأرض، ومن عليها. قدّمنا الى جنابكم أولا الأرض. والآن الى من عليها من لبنانيين وسياسيين ومخاليق تظهر على التلفزيونات كل يوم، في الصبح وفي المساء، لكي تتخانق.

تعودت طوال السنوات العشر الماضية أن أذهب كل صباح الى المكتبة التي أشتري منها مواد القراءة. والى جانبها مخزن لبيع القرطاسية وأنواع وأدوات الكتابة، وهي إحدى أهم وأقدم الشركات في المدينة. وعندما دخلت المكتبة صعقت بمشهد الرفوف الخالية من الكتب. ولم أطرح الأسئلة.

ولم أسأل أيضاً عن وضع المخزن الجار، لأن صاحبه ما أن رآني حتى دخل خلفي للتحية. وبعدما أبلغت أن الكتب لم تعد سوى بقايا للبيع، دعيت الى المخزن المجاور لأرى إن كان هناك ما أحتاج قبل أن تنتهي عملية تصفية الورق والأقلام والآلات الطابعة. ولم يبق الكثير، إلا من بضعة عمال بدأوا حياتهم مع الشركة ولا يعرفون الى أين سيذهبون. لقد تخطوا السن التي يهاجر فيها اللبنانيون الى دبي وليسوا في السن التي ينضمون فيها الى مئات الآلاف في كندا. لذلك سوف يبقون هنا، يصغون الى السياسيين على التلفزيونات والإذاعات والصحف، يتحدثون عن احترام الدستور والتوافق والوحدة الوطنية.