العدو الخفي.. عدو أخطر من «القاعدة» في أفغانستان

TT

إن أغرب ما اكتشفته أثناء زيارتي لجلال آباد، حيث وضع أسامة بن لادن العلم الخاص به عام 1996، هو أن القاعدة قد اختفت. كما اختفت الجماعة أيضا في العراق، وهو ما يطرح بعض الأسئلة الهامة حول كيفية مكافحة الإرهاب.

يقول الكولونيل مارك جونستون، نائب قائد القوات التي تشرف على أربع مقاطعات تحيط بمدينة جلال آباد في شرق أفغانستان: «إن القاعدة ليست موضوعا للمحادثات هنا». ويوافقه الكولونيل بيت بينشوف ويقول: «إننا لا نرى العديد من مقاتلي القاعدة. لقد تحولوا هنا إلى الدعم والمساندة».

وقد سمعت الشيء نفسه في الشمال من جانب الضباط الذين يشرفون على الأقاليم المطلة على الحدود الباكستانية. وقد أوضح استبيان أجري في شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) الماضيين في نورستان، التي كانت حصنا قويا للقاعدة، أن الجماعة لم تعد تمثل تهديدا أمنيا للسكان.

والعدو في هذه الأقاليم الشرقية هو مزيج من الجماعات المسلحة التي ترتبط بأمراء الحرب التقليديين. وهؤلاء ليسوا طالبان، فضلا عن أن يكونوا تابعين للقاعدة. ويقول أليسون بلوسر، وهو مستشار سياسي للقادة العسكريين هنا في قيادة المنطقة الشرقية: «إنني لا أستخدم كلمة طالبان. ففي قيادة المنطقة الشرقية، لدينا عدد من الجماعات اليائسة. وليس هناك رابط بين القيادة والسيطرة. فالشباب هنا يحاربون لمن يدفع لهم أكثر».

وتبدو الصورة نفسها في قيادة المنطقة الجنوبية، حيث واجهت القوات البريطانية والكندية بعض المعارك العنيفة خلال الحرب. وقد تحدث بعض البريطانيين في مقاطعة هيلماند عن جماعة مرتبطة بمافيا الأفيون.

وعندما سافرت إلى مقر قيادة القوات البريطانية في «لاشقرجاه»، شاهدت العديد من الأفغان الذين يرتدون العمائم والسراويل الواسعة وهم يحصدون زراعات الأفيون. ويصف المسؤولون العسكريون البريطانيون والدبلوماسيون كذلك جوهر المشكلة بأنها تتمثل في سوء الإدارة والفساد ونقص التنمية الاقتصادية، وليس في وجود القاعدة» أو طالبان.

إن الهجمات الإرهابية مثل محاولة اغتيال الرئيس حامد كرزاي خلال الأسبوع الماضي، توضح أن الجماعات ما زالت قادرة على تشكيل تهديد. وفي الواقع، فإن الإحصاءات التي تم جمعها من قبل تحالف الناتو، توضح ارتفاع الإصابات بين المدنيين والعسكريين هذا العام. ومن شأن عدم الاستقرار هذا أن يعوق مشروعات التطوير الجادة. لكن القادة يقولون إن ذلك عنف متقطع وليس متواصلا أو منظما من قبل القاعدة.

وعند زيارتي للعراق هذا العام، سمعت روايات مشابهة عن اختفاء القاعدة. ويرجع ذلك إلى سببين: وقوف قادة القبائل السنية في وجه القاعدة وتواصل تعقب القوات الخاصة الأميركية للناشطين في هذه الجماعة. ومع التحسن البشري والتقني في عمل المخابرات فإن الأوضاع الأمنية تتحسن.

إن تهديد القاعدة لم يختف لكنه تحرك إلى باكستان. وقد أوضح آخر تقرير عن الإرهاب صادر عن وزارة الخارجية الأسبوع الماضي أن الجماعات «أعادت تنظيم قدراتها الى ما قبل 11/9 عن طريق استغلال المناطق القبلية في باكستان».

ويوضح الدليل الميداني نتيجتين: النتيجة الأولى هي أن القاعدة ليست بالتهديد الأبدي، فهي تفقد موقعها في العراق وأفغانستان بسبب التكتيكات الأميركية المقاومة للإرهاب وخاصة التحالف مع قادة القبائل واستخدام قدرات القوات الخاصة لقتل ناشطيها. فهذه العمليات تتطلب مهارات خاصة، لكنها لا تتطلب حضورا عسكريا كبيرا للولايات المتحدة في العراق أو أفغانستان. فالقوات المحلية يمكنها أن تعالج المسائل الأمنية على مسؤوليتها، كما حدث في البصرة منذ عدة أسابيع وكما حدث في كابول الأسبوع الماضي، وهذه هي مشكلتهم.

النتيجة الثانية، هي أن المهمة الرئيسة في مقاومة القاعدة هي تطبيق التكتيكات الناجحة في العراق وأفغانستان في باكستان أيضا. ويعني ذلك التحالف مع أمراء الحرب القبليين لإحداث تطور اقتصادي في القرى الجبلية المعزولة مقابل توفير الأمن. ويعني ذلك القيام بعمليات مشتركة بين القوات الخاصة الأميركية والباكستانية لمطاردة عناصر القاعدة المنسحبين إلى أعماق الجبال.

وليس الحل أن نرسل بالمزيد من القوات الأميركية إلى باكستان ـ بل هذا في الواقع يمكن أن يعوق الحل هناك ـ ولكن أن نرسل بالمقاتلين ذوي المهارات الخاصة.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»