خاتمي.. السياسي الذي أضاعه الجميع

TT

يمثل الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي النموذج الأمثل للسياسي المثقف، فهو يعتبر من أبرز وجوه السياسة الإيرانية، وأكثرها واقعية، وأصدقها اعتدالا. وخاصية السياسي المثقف التي يتسم بها خاتمي هي التي دفعته إلى تقويم مخاطر تصدير الثورة، ونقد النموذج السياسي الذي يسمح للأعداء بالتركيز على الجوانب السلبية في إيران. وهو يدفع اليوم ثمن مواقفه هذه صمودا في وجه حملات التخوين والتشكيك التي يتعرض لها بشكل شرس، حتى إن صحيفة «كيهان»، القريبة من المرشد الأعلى كتبت مطالبة بمحاسبته، واعتبرت تصريحاته غير وطنية، ولا ينجم عنها سوى تلطيخ سمعة إيران.

وقد أدرك الأميركيون بعد فوات الأوان أنهم أضاعوا فرصة ذهبية في حل الملف الإيراني خلال فترة رئاسة محمد خاتمي، وهذا ما أكده جاك كارفيلي المسؤول السابق في إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وعضو مجلس الأمن القومي في الفترة بين عامي 1996 ـ 2000، الذي أقر بأن إدارة الرئيس كلينتون لم تنتهز فرصة التعامل مع الرئيس خاتمي، وإعطاء الدبلوماسية كل فرصة ممكنة، حتى إنه ليقول: «لو كان بالإمكان تغيير الماضي لفعلت ذلك».. ففي غمرة الضغوط الإسرائيلية على أمريكا، وسيطرة الجمهوريين على الكونغرس لم تجرؤ إدارة كلينتون على ثقب جدار القطيعة مع إيران، والاستفادة من وجود رئيس إيراني يتسم بالاعتدال، والعقلانية، ونبذ العنف.. وليس الأمريكان وحدهم الذين أضاعوا خاتمي، إذ يبدو أن الجميع قد أضاعه بمن فيهم الإيرانيون أنفسهم، فالرجل قضى فترة رئاسته بين كماشة الصراعات الداخلية، والشكوك التقليدية الخارجية، وبالتالي حدت من أدائه معوقات الداخل والخارج، فلم تسعفه الظروف على تجسير علاقات بلاده بالآخرين بالصورة الأمثل..

وأزمة خاتمي هي أزمة السياسي المثقف في العالم الثالث، أزمة تواصل مع مجتمعات لم تألف الخطاب السياسي العقلاني بعد أن طالت عشرتها مع الخطاب الذي يستهدف العاطفة، وإثارة المشاعر، ونسج الأحلام غير الواقعية، فالرجل الذي يتحدث عن حوار الحضارات كبديل لصراعها، والرجل الذي يؤمن بحقوق المرأة ويرفض قسمة الجنس الإنساني، والرجل الذي يرى أن الأمن والتنمية ركيزتان لأي تغيير، لا يمكن أن يتحول إلى «ما يطلبه المستمعون» لتحقيق مكاسب انتخابية، وبالتالي فإن قدر هؤلاء أن يكونوا غرباء في عيون مجتمعاتهم، يفتقدونهم ولكن في الليلة الظلماء.

[email protected]