العشاء (الرومنتيكي)

TT

سألني: هل ذهبت يوماً إلى مطعم ياباني وأكلت فيه؟! قلت له: نعم.

- هل أعجبك؟!

- يعني.

- هل سبق لك أن جربت أن تأكل سمكة (الفكهة)؟!

- لا، بل إنني لأول مرة اسمع باسمها.

- إنها سمكة لذيذة جداً، وخطيرة أيضاً جداً جداً.

- إذاً أرجوك أبعدني عنها، فهذا الصنف (اللذيذ والخطير) أخاف منه جداً ليس في عالم الأسماك فقط ولكن حتى في عالم البشر.

وبما انه رجل شجاع وعنيد فقد أرغمني على مرافقته إلى ذلك المطعم ـ بعد أن قبل شرطي بأن أتناول من الطعام ما يروقني لا ما يفرض عليّ. وصلنا إلى المطعم الراقي، وطلبت أنا طبقاً من الخضراوات المختلفة، وشيئاً من الأرز مع شراب ساخن.. فيما طلب هو تلك السمكة الخطيرة.

وبعد أن انتهينا وأحضر (الغرسون) فاتورة الحساب ليدفعها مضيفي، وإذا بي اصعق من ثمن تلك السمكة الذي زاد على (500 يورو)، في حين أن طلبي لم يزد عن (50 يورو)، وعندما أبديت ذهولي وامتعاضي من هذا السعر الباهظ، أخذ هو يضحك قائلاً: إنني أعرف ذلك، وتستطيع أن تعتبرني مدمن على أكل هذا النوع، قلت له: يا له من إدمان مكلف.

قال: الكلفة تهون عن المخاطرة يا حبيبي!!

وأخذ يحكي لي بعد أن وصلنا إلى فندقه الذي يقيم فيه، وقال: إن هناك مئات الأشخاص يموتون في اليابان سنوياً من جراء سم هذه السمكة ولا يسمح لأي طباخ أن يقطعها ويطهيها، إلاّ إذا كان متدرباً ومختصاً، لأن هناك أجزاء من جسمها لا يعرفها إلاّ طباخ خبير، فالسم الكامن في الواحدة منها يستطيع أن يصرع ثلاثين رجلاً دفعة واحدة، بل إن نقطة صغيرة واحدة على رأس دبوس كفيلة بقتل رجل مثلك.. عندها ارتعبت وأنا جالس في مكاني، فضحك وقال: إنني من كثرة ما أكلت وتتبعت تاريخ هذه السمكة حفظت بعض أشعار اليابانيين المترجمة عنها، واليك ما يقوله البعض:

أمس أكلت (الفكهة) معه / وها أنذا اليوم أشارك في حمل نعشه.

وإليك كذلك ما يقوله أحد العشاق اليائسين ببيت الشعر هذا، عندما قرر الانتحار:

لقد حكم الفراق بيني وبين حبيبتي / واسودت الشمس في عيني / فقررت أن آكل (فكهة).

عندها ضاق صدري من هذا الحديث (الشيق) واستأذنت منه شاكراً إياه على حسن الضيافة، فقام يودعني ويلح على اللقاء به غداً.

ويبــدو أنني من شدة (الوهم) انقلبت مصاريني وأخذ بطني (يمغصني) مع أنني لم أشارك لا في أكل ولا في شم تلك السمكة الخطيرة.

وعندما وضعت رأسي على المخدّة وأطفأت الأنوار مستعداً للنوم، وإذا بي أتذكر إصرار رفيقي على اللقاء غداً، ولا أدري كيف خطر على بالي وتذكرت بيت الشعر: أمس أكلت (الفكهة) معه / وها أنذا اليوم أشارك في حمل نعشه.

لم استطع النوم ليلتها إلى أن طلع الصبح، ولم أذهب إليه، ولم أكلمه حتى هذه الساعة.

المشكلة: إنني إنسان (متطيّر).

[email protected]