السلطة والمجتمع المدني.. فساد المثقف

TT

فساد ثقافي.. مصطلح جديد ربما، ولكنه يعكس استشراء حالة الفساد في عالمنا العربي التي طالت شتى أنواع المجالات. فاختلاس المال العام لا يختلف كثيرا عمن ينافق صاحب القرار، لأن المحصلة الإضرار بالمصلحة العامة للوطن وخيانة الأمانة، فموظف الدولة والمثقف كلاهما له دور يؤديه في المجتمع. ولكن كيف نقيم هذا الدور من الناحية القيمية ان جاز التعبير؟! ويبدو ان المعضلة تدور في فلك مليء بالعوائق، وهي في مجموعها تندرج تحت تكريس مفهوم (التغيّب) ان جاز التعبير (من غياب لمفاهيم الديمقراطية وضمانات حقوق الإنسان ومحاربة الفساد وتفعيل دور المجتمع المدني بمؤسساته المختلفة). هذا الغياب أنتج معادلة تكمن ما بين السلطوية والسلبية في عالمنا العربي، فكانت الأولى هي سلاح الحكومات، بينما الأخيرة ما زالت شعار الشعوب، وبالتالي هي إلى الاستسلام اقرب.

وفي ظل هذه المعاناة، كان لا بد لنا ان نبحث عن دور المثقف وعلاقته بالسلطة وانتاجيته للفساد، حيث لا يمكن إغفال التأثير الذي يفرزه من خلال ما يطرحه من رؤى، لاسيما وإن كان يمتلك الرغبة في كسر أغلال تلك المعادلة ومحاولة خلق توازن لها، او على الأقل، محاولة فضحها متى ما وجد إلى ذلك سبيلا. لأنه هو وبموقعه الثقافي يحتم عليه ان يكشف (الحقيقة) وان يعرضها (بتجرد وموضوعية)، وان يسمي الأشياء بأسمائها لأنه يحمل رسالة نزيهة ان ارتهنها إلى الموقف القيمي، كما انه في ذات الوقت يقوم بمهمة شريفة هدفها في نهاية المطاف الإصلاح والتحسين والمحافظة على المكتسبات والوحدة (بشمول معانيها وباختلاف تجلياتها)، لكن الكارثة تحدث عندما يتحول الكاتب إلى بوق للسلطة واقفاً معها ومبرراً مواقفها على الدوام. وهنا ـ تحديداً ـ فإنه يرتكب جرماً لا يقل خطورة عن الجرم المادي، وصورة من صور الفساد لأنه ـ بكل بساطة ـ يداهن السلطة لتحقيق مصلحة ذاتية والوصول إلى مبتغاه بغض النظر عن مشروعية هذا الوصول. كما انه في الوقت ذاته يخدع صاحب القرار، لأن القرار فردي في ذاته (أي يصدر عن فرد) ولكن تأثيره ونتائجه جمعية، أي تؤثر على (المجتمع بأكمله). فلو كان القرار خاطئاً، فالنتائج ستكون وخيمة ـ بلا ريب.

وهذا يدفعنا الى القول ان الكاتب الحقيقي هو الذي يستند إلى معيار واضح لرؤيته ذات التحليل الموضوعي، من دون الارتهان الى آيديولوجيا معينة (سمة الآيديولوجيا الثبات) بل الى مفهوم التغير والمتغيرات (طبيعة الحياة التغير)، ولذا فإن المعطيات والواقع والمتحولات هي ما يجب ان يستند اليه الكاتب المحايد، وبالتالي هي من تحدد موقفه من هذه القضية أو تلك، وليس الآيديولوجيا أو الخوف.

وفي اعتقادي ان دور المثقف تتعاظم أهميته في عالمنا العربي، كون مؤسساته الأهلية (المجتمع المدني) ضعيفة وليست فاعلة بالقدر الذي يمكن ان ينتج عنه تأثير، ولذلك فهو معني بإشاعة الفكر الحر والتحرر من كل القيود، أو محاولة ذلك على أقل تقدير. فالمواطن العربي ليس في حاجة إلى مزيد من العلل، فمناخه العام لا يساعده على التفكير، فضلا عن عدم الإنتاجية، ناهيك من حالة الاكتئاب والإحباط اللتين لا تفارقانه.. وهي حالة مأساوية على أي حال.

www: zuhair-alharthi.8m.com