الانتخابات الأميركية.. بين المبالغة واللامبالاة

TT

يعد القس جيريمي رايت بلا شك (وللأسف) قضية كبيرة في الحملة الرئاسية في الولايات المتحدة. ولكن ما حدث خلال الأسبوع الماضي هو مبالغة إعلامية، حين يظهر جيريمي رايت في الليل والنهار، وكأنه مشهد فيديو يُعاد مرة بعد أخرى.

وأوضحنا الخطوط العريضة لعلاقة القس بباراك أوباما على مدى العقدين الماضيين. ما الذي تعلمه أوباما ومتى كان ذلك؟ لقد عملنا على إجبار باراك وزوجته ميشيل (وهما يشكلان أسرة أميركية مهذبة تتسم بالجدية وتتحرك في إطار القانون) على الظهور في مقابلات تلفزيونية مهينة تذكرنا بما قام به بيل وهيلاري كلينتون في «60 دقيقة» في ذروة فضيحة جنيفر فلاورز.

لقد سمحنا للتمثيل المسرحي الذي يؤديه واعظ أتى من شيكاغو، أن يغطي على كل العملية السياسية خلال هذه الانتخابات التي قد تكون الأكثر أهمية في تاريخ الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.

ثمة خطأ يحدث.. لقد أمست الانتخابات وكأنها ضرب من الفنون الإباحية. قصص وصور قذرة يدعي كل شخص أنه يكرهها، ولكن لا يستطيع مقاومتها. وأظن أن بعض مدمني الإباحية يشبعون شهواتهم في بعض الأحيان. والتحدي الذي تواجهه الصحافة في الوقت الحالي هو النظر فيما إذا كانت تستطيع إجبار نفسها على تجاهل إغراءات رايت حول العِرق وأن تركز على بعض القضايا المهمة مثل السلع الغذائية أو تكلفة الطاقة أو الوضعية الكئيبة التي يعاني منها التعليم الحكومي أو البنية التحتية المتهالكة أو عدد الأميركيين الذين يموتون في الحرب اللانهائية في العراق.

وقد قتل هذا الأسبوع في أفغانستان ديفيد ماكدوويل، وهو أب لولدين من رامونا بولاية كاليفورنيا، عن 30 عاما. وعندما قرأت نعيه، لاحظت أنه عمل في العراق وأفغانستان 7 مرات. ما الذي يقوله ذلك لنا عن تضحياتنا خلال الحرب؟ أحب أن أسمع أقل بكثير عن القس رايت وأكثر بكثير عن السبب الذي لا تستطيع الولايات المتحدة من أجله أن تنهي الصفقة في أفغانستان، وأن تقوم بتخليص جنودنا في العراق.

ومن القضايا المهمة التي ألقى عليها القس الطيب بظلاله، النزاع المشروع بين المرشحين للرئاسة حول مقترح بإعفاءات من ضريبة الجازولين تبدأ من الصيف. وتؤيد هيلاري كلينتون ومعها جون ماكين هذا الاقتراح غير المسؤول الذي سيوفر للسائقين نحو 28 دولارا، ولكن سيؤدي إلى خسارة تقدر بـ9 مليارات دولار من عوائد الضرائب، والتي يذهب الكثير منها في خدمة مشروعات بنية تحتية. (وتقول كلينتون إنها ستعوض هذه الخسائر من ضرائب على الأرباح الكبيرة تدفعها شركات البترول، ولكن لا تتوقع أن يستمر هذا لفترة طويلة). ولا يؤيد أي شخص لديه فهم جاد لاحتياجات الطاقة في البلاد هذه الحماقة. وقد هاجم كتّاب المقالات الافتتاحية في الصحف والمجلات كلينتون وماكين بسبب هذا الموقف. وكان عمدة نيويورك مايكل بلومبيرغ لاذعا في نقده لهذا الموقف، فقد وصف الاقتراح بأنه «من أكثر الأشياء غباوة» سمعها منذ فترة طويلة. وأضاف بلومبيرغ: «كان أوباما على صواب في هذه القضية، بينما كان كل من ماكين وكلينتون على خطأ. ومنتهى هذا الاقتراح هو دفع المواطنين إلى قيادة السيارات بشكل أكبر وبهذا يأخذون المزيد من المال الذي نحتاجه لمشروعات البنية التحتية في البلاد».

والنقطة التي أريد الإشارة إليها في هذا الأمر هو أنها كانت بداية للصحافة كي تدفع المرشحين للتحدث عن قضية مهمة: ما الذي يجب أن نقوم به على المدى القريب والبعيد بخصوص التزامات الطاقة في الولايات المتحدة؟

قضية أخرى: غضب علماء الاقتصاد يوم الجمعة لأننا خسرنا 20 ألف وظيفة في أبريل (نيسان) الماضي، رغم أننا خسرنا 81 ألف وظيفة في مارس (آذار). إننا نحتاج إلى خلق الملايين من الوظائف إذا أردنا أن نصلح من أوضاعنا الاقتصادية الداخلية. فبعد أن وصلت بطاقات الائتمان لأقصى مستوى لها وفي ظل هبوط أسعار العقارات وسحب كميات كبيرة من الأسهم المحلية، أصبحت الوظيفة الجيدة السبيل الشرعي الوحيد لتوفير سيولة للعائلات الفقيرة. ويعاني الأميركيون من أجل الحصول على وظيفة. ومن يتمكن من العثور على وظيفة، فإنه يعمل لساعات أقل ويحصل على مرتبات أصغر. وتعاني بعض القطاعات من البطالة. وتصل نسبة البطالة في مناطق مجاورة لبعض المدن الكبيرة بين الشباب الأميركيين من أصل أفريقي إلى 80 % أو أكثر.

هل لدى المرشحين استراتيجيات واضحة للتعامل مع هذه المشاكل؟ هل من الممكن أن نسمع عنها؟ وندرسها؟ وننقدها؟ وهل سنكون نحن في وسائل الإعلام جادين حول هذه الانتخابات أم أن الأمر كله سيكون حول القس رايت والعراق؟

يعي معظم من لهم حق الانتخاب بأن أميركا تعاني أوضاعا سيئة، وهذا ما يجعل أكثر من 80 في المائة من المشاركين في أحد استطلاعات الرأي يقولون إننا في الطريق الخطأ. ولا علاقة للقس رايت بكل هذا. القضية هي أن كلامه الفارغ قد يصوغ نتيجة هذه الانتخابات وهذا أمر مأساوي وعبثي.

* خدمة «تريبيون ميديا سيرفز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»