الأهم.. والأقل أهمية

TT

في واحدة من المنتديات المتخصصة، التي تناقش أوضاع الإعلام العربي ومعضلاته، طرحت عرضاً قضية الطفلة اليمنية نجود. الفتاة التي لم تتجاوز الثامنة من عمرها وعجزت عن إيجاد من يناصرها ويقف إلى جانبها، فأتت بنفسها إلى إحدى محاكم صنعاء لتشكو تزويجها وهي في هذا العمر المبكر إلى من يكبرها باثنين وعشرين عاماً ويفرض عليها المعاشرة الزوجية قسراً وهي التي تحتاج الى سنوات لتخطي مرحلة الطفولة.

تلقفت نجود محاميةٌ شابة حملت شكواها إلى القاضي وإلى وسائل الإعلام فأقر القاضي فسخ زواج الطفلة التي تبين بؤس حال والدها وعائلتها.

جرأة الطفلة ووقوف محامية ناشطة إلى جانبها، سلط عليها بعض اهتمام الإعلام اليمني والعربي نظراً لحساسية القضية وللشخصية اللافتة لنجود التي تمكنت من المطالبة بحقها بعد أن عجز والداها عن القيام بذلك فأصرت على المبادرة إلى طلب العون وبعد نصيحة أقرباء لها بالذهاب إلى المحكمة وهو ما تم لها.

طرحُ هذه القضية بصفتها واحدة من القصص الحساسة التي لم تلق تغطية مناسبة من الإعلام العربي كانت تعتبر واحدة من الملاحظات التي أثيرت على هامش جلسة نقاش مفتوح حول الإعلام وهي واحدة من جلسات منتدى دبي للإعلام العربي الذي انعقد مؤخراً..

هبّ أحد المشاركين وهو استاذ جامعي وباحث إعلامي على حدّ ما قدم نفسه وخاطب بحنق من طرح الأمر بعبارة: «هناك قضايا أخطر تعاني منها الأمة ولا داعي للتلهي بهذه الأمور التافهة. انظروا إلى ما يجري في العراق وفلسطين»..

طبعاً على غرار ما تفضي إليه جمل قاطعة من هذا النوع، انتهى النقاش حول قضية نجود. لكن قبل أن ينفض الحضور من القاعة التي دار فيها النقاش، همس أحد المشاركين متهكماً أن قضية الفتاة اليمنية لا تستحق الالتفات، أما الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية فلا بأس أن تستهلك كل هذه الطاقات وهذا التجييش الذي عاشته المنطقة وأسقط ضحايا وأوقع صدامات لم تطو صفحتها تماما بعد.

الغضبة التي كثيراً ما يلاقيها بعض الإعلام او بعض الصحافيين لدى إثارة قضايا تتناول إجحافات مزمنة تعاني منها مجتمعاتنا العربية لا تزال أمراً رائجاً في ثقافتنا. قضية الطفلة نجود طرحت وعلى نحو بالغ الدلالة معضلة فتيات كثيرات لا يزلن ضحايا الزواج المبكر في اليمن ومجتمعات عربية أخرى ولا تلقى حكاياتهن التفاتة فعلية.

إنها حكاية تبدو عادية أو هكذا يراد لها..

فدرجة العداء للغرب السياسي في بلادنا تكاد تطمس كل ما عداها من أزمات وقضايا وتحيلها بمجملها إلى نظريات المؤامرة الرائجة وهي بالتالي تسهل استمرار هذه الأزمات باعتبارها وعلى حدّ «الغيارى» ليست من أولويات الأمة.

لا شك أن مواصلة تضخيم وتبجيل ثقافة العنف والدم تحت مسميات شتى بصفتها دفاعاً عن الكرامة الوطنية وذوداً عن الشرف والأمة ليست سوى تمديد لمآسينا وتكريس لها.

diana@ asharqalawsat.com