حتى لا تقول ما لا تفهم!

TT

كان أستاذنا العظيم سقراط إذا قلت له صباح الخير يا أستاذ يسألك فوراً وما معنى الخير عندك؟ ومن هو الأستاذ؟ ولماذا؟ وإذا سألك: أنت رايح فين؟ وقلت له: في ستين داهية فيسألك: وما معنى الداهية؟ ولماذا رقم ستين؟ وليس تسعين أو خمسين؟!

فلا بد لنا أن نعرف معنى الكلمات التي نستخدمها، وأن نلتزم الدقة ما استطعنا. فقد كان مثلاً عالياً لذلك وأكثر، وهو أستاذ أساتذة الحوار في التاريخ، وتلميذه أفلاطون هو الذي سجل لنا محاورات سقراط مع تلامذته. وكان يمشي حافياً عاريَّ الصدر. وكان يجلس حول تلامذته. أما أرسطو العظيم، فكان يناقش تلامذته ماشياً لا جالساً، ولذلك كان هو وتلامذته يسمون المشائين.

ونحن صغار كنا نردد ما نسمعه ونقوله دون تفكير. وإذا أخطأنا في النطق أو التعبير ضحك الذين حولنا.. واستعادونا لكي يضحكوا.. وأذكر أنني عندما كنت طفلاً سمعني أحد أقاربي وأنا أتشاجر مع طفل آخر، فقلت له: إذا لم تترك رقبتي في ظرف 24 ساعة، فسوف أقتلك.. طبعاً ضحك. ولكنني لم أكن أعرف بالضبط معنى (في ظرف 24 ساعة) فقد سمعتها، وكالببغاء كررتها، فأضحكت الناسَ من حولي وأظن أنني خجلت بعد ذلك من أن أكون أضحوكة.

وعندما كنت أتعلم اللغة الألمانية، فلا بد أن أخطئ في النطق وترتيب الأفعال والأسماء. فاللغة الألمانية لها خصائص مختلفة عن اللغات الأخرى في تجزئة الفعل ووضعه في النهاية في معظم الأحيان. ولها تراكيب وخيارات وثوابت.

وأذكر أنني قابلت أستاذِي في اللغة الألمانية وكنت صغيراً فقلت له: أهلاً يسعدني أن أراك دائماً، وسألني: لماذا؟

ولم أعرف الإجابة.. لم أستطع أن أشرح له لماذا يسعدني أن أراه دائماً، وإنما أنا حفظت هذا التعبير ورددته دون فهمٍ. وأظن أنني خجلت من نفسي وحاولت كثيراً ألا أقول إلا ما أعنيه وأفهمه.. وكنت ولا أزال قاسياً على نفسي!