إيران.. والعرض المرفوض

TT

يقول الروس إن هذا عرض لا لإيران أن ترفضه، ويصر الأوروبيون على أنه لا يمكن أن يُرفض، ويأمل الأميركيون ألا يُرفض. ومع هذا، فإن كل الدلائل تفيد بأن الجمهورية الإسلامية سترفض ما وصفه وزير الخارجية الصيني بأنه «عرض سخي» يهدف إلى تلطيف الأزمة المتعلقة ببرنامج طهران النووي.

وتم التوصل إلى هذا «العرض» بعد مفاوضات صعبة على مدى عدة أيام في لندن بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جانب وروسيا والصين في جانب آخر. ولم يُعلن عن تفاصيل العرض ولكن قالت الدول الست ـ الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا ـ التي صاغتها أنه للإعلان عن هذا العرض، يجب على الجمهورية الإسلامية وقف برنامج تخصيب اليورانيوم أولا.

وهذا هو ما تعهد الرئيس محمود أحمدي نجاد بعدم القيام به أبدا، متجاهلا ثلاثة قرارات لمجلس الأمن والدواء المر المتمثل في العقوبات الاقتصادية، ويعلم أحمدي نجاد أن التراجع قد يعني انتحارا سياسيا، بعد أن رسم صورته كمحارب ضد «الدول المستأسدة».

وقد درس أحمدي نجاد «التقويم الدولي» المرتبط بالأحداث المستقبلية بعناية كبيرة، وهو يدرك أنه خلال تسعة أشهر سيكون هناك رئيس جديد للولايات المتحدة. وسيكون «بوش الأحمق»، وهو الرئيس الأميركي الوحيد الذي استخدم الجيش الأميركي في حروب وقائية قد رحل.

وفي الوقت الحالي تعتمد الحملة الانتخابية لاثنين من المرشحين الثلاثة المحتملين لخلافة بوش على مهاجمة بوش.

وقد قال باراك أوباما أنه سيدعو أحمدي نجاد إلى محادثات غير مشروطة، متجاهلا قرارات الأمم المتحدة التي تطالب الجمهورية الإسلامية بوقف تخصيب اليورانيوم.

ومن ثمّ، لماذا يمنح أحمدي نجاد انتصارا دبلوماسيا كبيرا لبوش قد يطلبه الرئيس المقبل؟

وحتى لو كان السيناتور جون ماكين رئيسا للولايات المتحدة، فسيحتاج إلى عام قبل أن يستقر فريقه كلا في موقعه، ويكون قادرا على القيام بتحرك ضد الجمهورية الإسلامية.

ولذا، لماذا يدفع المرء الآن ما يمكن التهرب من دفعه غدا؟

ويرتبط التاريخ الثاني في «التقويم الدولي» بأحمدي نجاد مباشرة، حيث إنه سيسعى العام المقبل إلى إعادة انتخابه. وكما هو واضح، لا ينتظر له مستقبل واعد، حيث يعاني الاقتصاد الإيراني من تراجع في ضوء التضخم المرتفع وزيادة عدد العاطلين عن العمل.

ومن المحتمل أن يقرر المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية على خامنئي وقائد الحرس الثوري الإيراني إلقاء اللائمة على أحمدي نجاد واستبداله بشخص آخر من الحرس الثوري.

ويكمن الأمل الأساسي لأحمدي نجاد للفوز بفترة رئاسية جديدة في التأكيد على القصة الخيالية التي نسجها لتصوره كمحارب يدافع عن استقلال إيران ضد دول تعيش على النهب معتمدة على أوامر تملى على الدول الضعيفة.

ويعلم أحمدي نجاد أيضا أن «التقويم» يحتوي على أحداث أخرى على مدى السنة المقبلة، وقد تمكنه هذه الأحداث من التحايل على قرار دراماتيكي بخصوص الملف النووي. فسيكون هناك رئيس جديد في روسيا، ومن المؤكد أن فلاديمير بوتين رئيس وزرائه، وستحتاج الترتيبات الجديدة في موسكو إلى بعض الوقت كي تستقر ويتم اختبارها. وآخر شيء يحتاجه بوتين ـ ميدفيديف هو أزمة ساخنة حول إيران.

بعد هذا هناك أولمبياد بكين، ويعني هذا أن الشعب الصيني لن يريد أي شيء من شأنه جذب الانتباه عن هذا الحدث الكبير، مثل حرب ثانية في الشرق الأوسط الذي يمد الصين بـ70% من احتياجاتها من البترول.

وهناك يحتوي «التقويم» على أحداث مستقبلية أخرى، ولكنها قد تكون أقل وضوحا.

حيث تتجه بريطانيا إلى انتخابات عامة في 2009، ومن المحتمل أن يخسرها حزب العمال. ويشهد الائتلاف الألماني شقاقا من الممكن أن يفضي إلى انتخابات عامة العام القادم.

وثمة سببان آخران يدفعان أحمدي نجاد إلى عدم قبول الهدية المسممة المعروضة عليه. الأول هو أن «العرض» الجديد أكثر سخاء مما يتخيل الرئيس السابق الملا محمد خاتمي. ففي عام 2003، وافق خاتمي على وقف برنامج تخصيب اليورانيوم مقابل وعود ببعض الهدايا، واستمر مع هذه المفاوضات على مدى عامين، ولكن لم يحصل على شيء.

وبمجرد أن استأنف أحمدي نجاد تخصيب اليورانيوم، سارعت «الستة الكبار» بالمِنَح، وفي كل مرة يظهر تشددا في موقفه، يتلقى عرضا أفضل. والدرس قد أصبح واضحا: فكلما رفضت يزداد المقابل.

لذا.. لماذا يقبل أحمدي نجاد العرض الآن، وهو يعلم أنه قد يحصل على عرض أفضل خلال سنة، وربما يكون عشية حملته الانتخابية؟

والسبب الثاني الذي يدفع أحمدي نجاد إلى رفض العرض هو أن «الستة الكبار» غير قادرة على تشخيص المشكلة بشكل واضح. يريد البريطانيون أن يصف بيان لندن البرنامج النووي الإيراني بأنه «تهديد»، بينما يرفض الصينيون ذلك فهم يصرون على أن الخلاف مع الجمهورية الإسلامية «خلاف فني».

وبصيغة أخرى، نجد أنه في الوقت الذي يرى البريطانيون ـ ومن المسلَّم به الأميركيون أيضا ـ أن أحمدي نجاد يريد قنبلة نووية لأغراض سيئة، يرى الصينيون ـ ومن المسلِّم به الروس أيضا ـ أن الأمر لا يقلق ألبته.

وهذا السبب الأخير هو الذي أفرز ما يسمى بـ«الأزمة النووية الإيرانية» وهو السبب الذي يعيق حل هذه الأزمة، وأفضل ما يراهن عليه أحمدي نجاد، هو استمراره في المراوغة، وأن يقبل محادثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وروسيا وأن يرفض «هدايا» الستة الكبار.

وإذا كانت إيران لا تمثل تهديدا لأي شخص، فما هي المشكلة؟ فتخصيب اليورانيوم أمر قانوني، وهو ما تقوم به «الستة الكبار» منذ عقود.

وإذا كانت إيران تهديدا، فعلينا أن نتساءل «لماذا هي كذلك؟» قبل أن نحاول فعل أي شيء تجاهها. وهذه هي المناظرة التي لم تستطيع «الستة الكبار» إقامتها فيما بينها.