الانتخابات الأميركية بين الاقتتال والهدوء

TT

الحياة قصيرة، لكن الحملات الانتخابية طويلة. وفي أثناء هذه الحملات، يمر المرشحون بلحظات سعادة وحزن. ولكن بغض النظر عن هذه اللحظات، فإن هناك أساسيات. وقد كانت هذه الأساسيات الخاصة بكل من أوباما وكلينتون ظاهرة يوم الأحد صباحا.

فقد ظهرت هيلاري كلينتون في برنامج «هذا الأسبوع مع جورج ستيفانوبلس» حيث أبرزت دورها وكأنها «رامبو» الأول للديمقراطية. ويبدو أن حملة كلينتون ترغب في اختزال السباق كله في عنصر واحد: الفجوة المفترضة بين الذكور والإناث. وهكذا فإن كل ما تفعله يدور حول التصميم والمنافسة والسيطرة.

وبعد بضعة أسئلة، قامت هيلاري كلينتون من الكرسي وبدأت في السير أمام ستيفانوبلس. ولم نشهد مثل ذلك الموقف منذ أن فعله آل غور على مسرح المناظرة بينه وبين جورج بوش. لكن محاولتها للاستحواذ على البرنامج لم تكن لتقارن بمحاولتها الاستئثار بمعرفة الحقيقة. ففي الدقائق الـ 30 الأولى لم تنطق بكلمة صريحة واحدة.

وقد كررت محاولاتها خداع الجمهور بالحديث عن الإعفاءات الضريبية على الوقود، وألقت باللائمة على انخفاض الوظائف في ولاية إنديانا على استقدام العمالة من الخارج وعلى اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية. وقد طلب منها ستيفانوبلس تحديد اسم اقتصادي واحد يوافق على خطتها بخصوص التخفيضات الضريبية على الوقود، لكنها قالت إنها لا ترهن مستقبلها بالاقتصاديين.

وعندما أشار ستيفانوبلس إلى أن بول كروغمان ـ وهو كاتب في صحيفة الـ«نيويورك تايمز» ـ أثار الشكوك حول الخطة، ربطت كلينتون بين كروغمان وإدارة بوش وقالت إنها لم تكن لتستمع إلى المسؤولين خلال السنوات السبع الماضية.

ولم تكن هذه مجرد وقاحة من كلينتون، ولكنها كانت وقاحة متعمدة. وقد أشارت كلينتون إلى أنها لن تتنازل خطوة واحدة أمام مؤامرات النخبة. ولم تكن تشعر بالذنب لأنها لم تقدم الدليل على مثل هذه المؤامرة. فهل هيلاري لم تكن تهتم بالدليل، بل إنها يمكن أن تحطمه وتسلخ جلده وتتركه بلا حول ولا قوة في أحد الأركان. فهل تحب الأسلوب البدائي للاستئثار بالحقيقة.

أما باراك أوباما، فقد أعطى انطباعا مختلفا تماما في برنامج «التق بالصحافة (ميت ذا برس)». فقد كانت حملته الانتخابية تتسم بالهدوء خلال الأشهر القليلة الماضية. وهو لم يقدم شرحا حول كيفية قيامه بعملية التحويل السياسي، ويبدو أن مؤهلاته التقليدية بدأت في إلقاء ظلالها على أسلوبه غير التقليدي.

ومع طبيعته التي تتسم بالتفكير في الآخرين وسهولة الحديث، لم يكن يبدو أنه يمتلك الصفة التي تتمتع بها كلينتون: الافتراض التلقائي بأن منتقديها على خطأ دائما.

ويبدو أن أوباما ما زال يحافظ على توازنه وقدرته على الرجوع إلى الاتزان العاطفي والهدوء الذي يتميز به البشر. وقد يبدو أن هدوءه نقطة ضعف وسط القتال المحتدم مع كلينتون، لكنه عامل مهم في تحقيق وعده بالتغيير السياسي. وهو يتعهد بالتغلب على الكراهية وهزيمة الانقسام.

ويبدو أن حملة أوباما تحاول الخروج من عباءة الإصلاح التقليدية التي استمرت لسنوات طويلة. ويفهم من حملته الانتخابية أن السياسة يجب ألا تكون عملا قذرا. فعدم الأمانة والقسوة ليسا من الأشياء التي لا نستطيع تجنبها. وقد وصف صديق ومؤيد أوباما، كاس سنستين نموذج أوباما بقوله: «يعتقد أوباما أن التغيير الحقيقي يتطلب دائما إجماعا وتعلما وتكيفا».

ومع ذلك، تظل شخصية المتنافسين محددة لفترة الرئاسة المحتملة لكل منهما. فأوباما يبدو متحدثا جيدا ويحب تحفيز الآخرين. أما كلينتون فهي كما تقول دائما سوف تحارب وتحارب. وفي حال انتخابها، فإنها سوف تكون من القوة بحيث تحول صراع توماس هوبيز الذي تؤمن به، إلى حقيقة لا تعرف الرحمة.

* خدمة «نيويورك تايمز»