حبيبتي

TT

قرأت تحقيقاً في شهادة محقق على وفاة شخص، فجاء في الشهادة:

«إنه أخفق في محاولته أن ينتحر، ولكنه مات وهو يحاول»

الواقع انه التبس علي الفهم، ولكنني عندما قرأت التفاصيل اتضح لي أن ذلك الرجل أخذ حبلاً إلى الحجرة، ووقف على صندوق وجرّب أن يعقد الحبل بقطعة حديد ضخمة وبارزة من عارضة السقف، غير انه وهو يحاول ذلك زلّت قدمه ووقع فتحطمت جمجمته على بلاط الحجرة.

وهذا الحادث ذكرني بحادث ليس مثله بالنتيجة ولكنه يقترب منه بالمأساوية والغباء.

حيث أننا كنا مجموعة في رحلة برية صحراوية متنقلة، ننصب خيامنا في أي مكان يروق لنا لمدة يوم أو يومين أو أكثر ثم نرحل كأي مطاردين، ومن عادتنا أننا إذا وصلنا إلى مكان جديد نتفرق ونحتطب من أجل الطبخ، وكنت شخصياً من النشطاء في هذا المجال بالذات، وبينما كنت منهمكاً في محاولة قطع جذع ناشف، فإذا بأحد زملائي يناديني ويصيح بأعلى صوته تعال، أسرع هات (الفاروع) لقد تلوى ثعبان على ساقي.

طبعاً تركت الحطب وهببت مسرعاً نحوه، وبدا لي انه كان ذاهباً لقضاء حاجته، لأنه لم يكن في يده لا فأس ولا فاروع ولا حتى حجر، وعندما وصلت شاهدت الثعبان فعلاً نصفه تحت قدمه ونصفه الثاني يتلوى حول ساقه، فرميت له ما بيدي وبيني وبينه ما لا يقل عن خمس خطوات، تناول هو الفاروع وهبد به بكل ما أعطاه الله من قوة على الثعبان، ولكنه أخطأه وإذا بالضربة تتمكن من ساقه فيسقط صارخاً، ومن شدة صرخته هرب الثعبان في جهة، وهربت أنا كذلك للجهة المغايرة.

ثم توقفت انظر اليه من بعيد، وعندما تيقنت أن الثعبان اختفى، خمنت أن الرجل قد أصيب، وفعلاً عندما وصلت إليه وإذا الدماء تنزف منه وإذا بي أشاهد عظمة ساقه وقد اخترقت الجلد وبرزت للخارج.

ذهبت للآخرين اخبرهم عما حصل، فحضروا وحملوه إلى الخيمة، وتأكدنا أن المسكين قد أصيب بكسر مضاعف، و(تفشكلت) رحلتنا، واضطررنا لقطعها والعودة للمدينة لكي يجبر كسره ويتعالج ذلك الغبي العجول الذي نكد علينا الله ينكد عليه (دنيا وآخرة).

* * *

هناك مثل صيني يقول: «انك لا تستطيع أن تمنع طيور الأسى من أن تحلق فوق رأسك، ولكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش داخل رأسك».

وهذا هو ما فعلته بكل (أسى).

* * *

حبيبتي هي التي تجفف لي دمعتي قبل أن تسقط، وهي التي أيضاً تضحك لي حتى لو لم يكن في فمها غير سن واحد ـ والله يصبرني عليها.

[email protected]