المراسلون

TT

خلال حرب 1975 كانت في لبنان محطتا تلفزيون واذاعة رسمية واحدة. وكان اللبناني يستدل طريقه «سالكة وآمنة» من الاذاعة التي قامت الى جانبها «اذاعة صوت لبنان» التي انشأها حزب الكتائب. الآن هناك نحو اربعين اذاعة إف.إم، أضعفها الاذاعة الرسمية. وهناك اكثر من عشر محطات تلفزيونية، اضعفها تلفزيون الدولة.

منذ اندلاع البركان صباح الاربعاء الماضي والناس خائفة في بيوتها تتابع ما ينقل اليها المراسلون من خطوط النار وأماكن الانفجار. أو بالأحرى المراسلات. فالظاهرة هي عدد الفتيات العاملات في ساحة المعركة بين الرصاص ورجال الميليشيات وملالات الجيش التي تحاول الفصل بين الشرفات المتقاتلة.

طوال ساعات النهار وإلى الهزيع الاول من الليل ظلت الصحافيات ينقلن الصور المرعبة من احياء بيروت، واصواتهن تختلط بدوي الرصاص المتصاعد من حولهن. ولم تفقد حناجرهن وتر الشجاعة الذي لا يرتجف بينما ارتجفت حناجر بعض المذيعين الشبان وهم يسمعون القاذفات ويرون من حولهم الملثمين يتكاثرون ويتدافعون حاملين الرشاشات الضخمة، ومرتدين أحزمة وقمصاناً ماركة أرماني، كما تظهر المنشورة في عدد امس من «الشرق الاوسط» (ص 3).

ثمة احتمال طبعاً بأن تكون الماركة مزورة. ففي الحروب اول ما يتقدم المزورون واصحاب السوق السوداء. ويصار الى إغراء المقاتلين بـ«أحزمة» ارماني، لكي تشد من ازرهم وترفع من معنوياتهم، لكن في المقدمة دائماً المراسلون، بشجاعتهم التي لا توصف. ففي حين نرتعد نحن في منازلنا يقتحمون هم خطوط الخطر وخيوط السلامة. ويحفظون اعصابهم وموضوعيتهم برغم انهم يرون كيف تتحول مدينتهم الى جبهة مثل الجبهات التي كانوا يسمعون عنها في افغانستان او العراق.

الجالسون في منازلهم يريدون الكتابة يسابقهم الزمن وتسبقهم التطورات. فالحقيقة ان بيروت تنقلب. وقبل يومين كنت في سيارتي عندما تلقيت اتصالاً من الرئيس فؤاد السنيورة. اراد ان يوضح لي ان ما قلته عن الدستور في مقابلة تلفزيونية الليلة السابقة ليس دقيقاً. فقد قلت ان الديمقراطية هي التشاور، وحكم الاكثرية المنتخبة. لكنه قال ان الديمقراطية في لبنان توافقية لأن البلد مؤلف من مجموعة أسر لا بد من حماية حقوقها، جميعاً. في اليوم التالي اندلع كل شيء. وبدا كم هي صعبة الديمقراطية وكم هو مستحيل التوافق في لبنان. السهولة الوحيدة هي في تكرار مشاهد الاسى والفرقة والنزول الى الشوارع