حسنا فعل حزب الله

TT

عندما احتلت ميلشيات حزب الله العاصمة اللبنانية صباح أمس قامت بعمل رائع جدا بكل المقاييس.

تذكروا أن الأكثرية صمدت كحكومة في السنتين الصعبتين لكنها هشمت كثيرا، فقد حاصر حزب الله محيط مقرها في السراي ومتاجرها في وسط بيروت، واغلق نبيه بري البرلمان في وجهها مع انها الأكثرية النيابية، واغتيل عدد كبير من قيادييها، وهددت البقية على مدار الساعة، ومنعت من انتخاب الرئيس.

لذا أمر جيد ان يحتل أخيرا حزب الله بيروت عسكريا بشكل صريح، فهي خطوة تخدم الاكثرية اللبنانية. باحتلال العاصمة بقوة السلاح صارت الصورة واضحة جدا بعد ان نجح حزب الله في اختراع شعارات مضللة منذ حرب الصيف، وارتهن البلاد كلها باسم المقاومة ومواجهة اسرائيل. أمس صدم الحزب أغلبية الناس، وأحرج القوى اللبنانية الصامتة التي تحاول ان تجلس في المنتصف، من شيعية وسنية ومسيحية، ورأى العالم العربي من يحمل السلاح ضد أخيه وبتمويل الغريب. ظهرت المعارضة عارية صباح امس، ميلشيا احتلالية طائفية واجنبية، رغم محاولات حزب الله التواري خلف واجهات مثل الجنرال عون ونبيه بري. وظهر السلاح المقدس امام الجميع مصوبا نحو مواطنين لبنانيين.

أما الأكثرية فلم تخسر أمس إلا القليل لانها فعليا بلا سلطة، ولا جيش، ولا حكومة فعالة، ولا رئاسة، ولا برلمان. سهل عليها الوضع حزب الله عندما جعل الامور واضحة للعيان، فالانقلاب على الشرعية بقوة السلاح لا يمكن ان يجد في طول العالم العربي، دع عنك اللبنانيين الذين يرفضونه، من يؤيده. وسيحاول جماعته تزوير القصص، كما فعلوا في تبرير خطف الاسرائيليين الاثنين، ستسمعون الكثير في المرافعات السياسية الترقيعية للحزب بإعادة كتابة التاريخ.

الحقيقة في لبنان، كتبتها مرة من قبل، ان البلاد مقسومة الى فريقين، «زعران» ومحترمين، مسلحين ومدنيين، خارجين على النظام وملتزمين به.

احتلال بيروت لا شجاعة فيه، فنحن نعرف ان المسلح الوحيد هو حزب الله، ويستطيع في اسوأ حالاته ان يسيطر على بيروت في ست ساعات، وفي افضلها في نصف ساعة. ونعرف ان اقصى ما يملكه خصومه هو حراسات امنية ربما تكفي لحراسة مواقف السيارات فقط. لهذا فموقف الاكثرية بالامتناع عن القتال كان مسؤولا وعاقلا وذكيا عندما خفض سلاحه، لانه سيهزم، وثانيا سيشارك في الجريمة لو حارب، وسيدخل البلاد في اتون حرب اهلية وهذا ما تريده القوى الخارجية.

قوة الاكثرية وشجاعتها تستمدها من النظام والشرعية وتأييد اكثرية اللبنانيين لها ووجود آليات مشروعة للاحتكام، وليس من بناء الميلشيات ورفع السلاح. فلبنان مهما اختلفت القوى حول المناصب والصلاحيات والمنافع يتمتع في النهاية بمرجعية دستورية، يمكن الاحتكام اليها، وهو الحق الانتخابي. حزب الله اذا كان يظن انه على حق فليحتكم للشعب انتخابيا، لكنه يعرف اليوم انه لن يستطيع ان يجمع اكثرية كافية من اصوات اللبنانيين.

ما حدث امس هو ما كان يرفض ان يصدق حدوثه محبو حزب الله، فكان المطلوب إثباته.

[email protected]