الـ«فيس بوك» على الطريقة المصرية

TT

عدم نجاح دعوة اضراب الاحد الماضي 4 مايو في تكرار النجاح الشعبي لاعتصام 6 ابريل هو Mixed blessing (بركات مختلطة)؛ لمخالفة النتائج لتوقعات اطراف متناقضة المصالح.

الطرف الاول؛ مجموعات هائلة العدد لا يجمعها تنظيم وانما تتحاور وتلتقي فكريا في فضاء الانترنت في المدوناتBlogs والشبكة الاجتماعية «فيس بوك» Facebpook المقابل المعاصر لمجلات الحائط في جامعات مصر قبل 40 عاما.

قوى وتيارات وطنية واحزاب قومية مصرية، كحزب مصر الام، وليبرالية، كالغد والوفد، وجماعات حقوق الانسان والمساواة وتيارات مناهضة العنصرية والفاشية، كمصريين ضد التمييز الديني؛ وحركات استعادة الديموقراطية والتعددية وتداول السلطة التي ضمنها دستور 1923 وأشهرها حركة «كفاية» تعبيرا عن صيحة الامة المصرية «كفاية» للحكم المستمر منذ انقلاب 1952؛ وكفاية لـ«ما ينكد عيشة» المصري كالفساد وضياع الهوية واهدار الموارد واضطهاد الاقليات وانتهاك البوليس لحقوق الانسان.

طرف آخر هو حكومة بلا استراتيجية واضحة، وامتدادها الحزب الوطني (الاتحاد الاشتراكي سابقا)، وضباط امن يتخوفون من ايقاع رقصات أنامل انثى رقيقة على الـ«كي بورد»، ويفزعون من نظرات حب الوطن في عينيها الفرعونيتين المطلتين من الـ«فيس بوك».

طرف ثالث مشكوك في ولائه لمصر هو جماعة الاخوان المسلمين التي حاولت القفز على قطار ظلت واقفة تتفرج عليه حتى نجح قادته في تحريكه يوم 6 ابريل متجاوزا العقبات، فحاولت بانتهازيتها المعهودة ان «تتشعبط» في القطار وترفع راياتها المستوردة من الخارج عليه.

اشتم المصريون رائحة الانتهازية في محاولة سرقة الاخوان دعوة الاعتصام رغم غيابهم عن تضحيات الجماهير يوم 6 ابريل؛ مما ذكر الشعب المصري بتهادن الجماعة مع العسكر في الانقلاب الثاني (ازمة مارس 1954) عندما عزلوا زعيمهم اللواء محمد نجيب لانه نصح بعودة الجيش للثكنات وتفرغه للدفاع عن الوطن وتسليم السلطة لحكومة برلمانية منتخبة.

دعم الاخوان العسكر وقتها بفتاوى تحريم الاحزاب «كفتنة بين الناس» وحللوا دم العمال المضربين في مصانع كفر الدوار (مجموعة خميس والبقري) عندما شنقهم العسكر؛ وتقدموا للقضاء بأدلة تنفي انهم حزب سياسي وانما جماعة تبشير دينية، ليستثنيهم عسكر انقلاب يوليو، غير المنتخبين، من مرسوم إلغاء الاحزاب ومذبحة الديموقراطية بتمزيقهم الدستور وحل البرلمان المنتخب.

القوى الوطنية المصرية انتبهت لمحاولة الاخوان سرقة الحركة الشعبية فأسرعت بالدعوة لعدم تنفيذ اضراب 4 مايو.

فمن يضمن ألا يدخل الاخوان، بانتهازيتهم التاريخية، في تحالف على نمط أزمة مارس، مع طرف آخر «عبقري» الانتهازية هو الحزب الوطني؟

الاخوان هم «العفريت» الذي يخرجه نظام الوطني لتخويف الامريكان بقولهم «عاوزين انتخابات حرة؟ سيظهر لكم هذه العفريت الذي استحضرته الانتخابات في غزة».

ويرددون على اسماعهم Better the devil you know ومقابلها بالمصري «اللي تعرفه احسن من اللي ما تعرفوش».

الوطني, ظهر عندما بحث عسكر انقلاب يوليو عن غطاء لاستلامهم السلطة فانشأوا هيئة التحرير من شراذم «العواطلجية» (من لا عمل لهم) وانتهازيي «التشعبط» على سلم السلطة . اصبح العواطلجية، في زمن قصير، مليونيرات العهد الاشتراكي الناصري العروبي الوحدوي الوطني الديموقراطي، عبر رحلة حربائية التلون. فقد تركوا «الهيئة» الى الاتحاد القومي فور ان اسسه الكولونيل جمال عبد الناصر؛ وتكرر الامر عندما اسس حزبه الستاليني الواحد «الاتحاد الاشتراكي» فتحول الاتحاديون القوميون الى اتحاديين اشتراكيين.

خلال عقد واحد تعلق الاعضاء الهيْأويون التحريريون الاتحاديون القوميون الاشتراكيون، بذيل معطف الزعيم الراحل انور السادات ليتبعوه، عن بكرة ابيهم، من حزبه الاول مصر، متجهين الى حزبه الثاني الوطني، مودعين الاتحاد الاشتراكي الى مزبلة التاريخ.

تاريخ يؤكد ضرورة استيعاب دروس 4 مايو و6 ابريل.

فنجاح دعوة لإضراب عام في أمة عظيمة يفضل شعبها المسالم الابداع والبناء على الشغب والثورة أمر يستغرق أشهرا طويلة، ومن المستحيل تلبية الجماهير لدعوتي اضرابين في اربعة اسابيع.

الدرس الثاني إبقاء الجماعات التي لا تدين بالولاء لمصر بعيدا عن حركة الديموقراطية لان تاريخ الجماعة ملوث بالارهاب ودماء الشعب المصري منذ الثلاثينات، فشعبيتها مؤقتة بحكم استغلال مواردها (القادمة من الخارج) في تقديم مسكنات تخفف اعراض صداع الازمة الاقتصادية عن الشعب لكنها لا تزيل اسباب المرض.

فأحزاب وطنية ضحت عبر التاريخ بدمائها من اجل مصر لا تتحالف مع جماعة سبَّ مرشدها العام الامة المصرية علنا بقوله «طز في مصر وابو مصر».

ومن يسعى للمساواة والعدالة وحقوق الانسان ينتحر سياسيا بتحالفه مع جماعة تصنف الناس وفق العقيدة او الجنس.

والمطالبون باستعادة الديموقراطية وسيادة القانون لا يتحالفون مع جماعة أمر مرشدها الاول باغتيال قضاة طبقوا القانون على ارهابيين سفكوا دماءً مصرية بريئة. الدرس الثالث، مواكبة الامة المصرية للعصر بنجاح ثورة الـ«فيس بوك» والمدونات في تنظيم عشاق الحرية لإنجاح حركة 6 ابريل (الذكرى الـ 78 لإعلان الزعيم الهندي العظيم المهاتما غاندي بداية العصيان المدني بخرق قانون الملح) .

وعلى اجهزة الامن المصري ان تعي ايضا الدرس بعد ارتكابها اعمالا تشوه سمعة مصر يوم 6 ابريل وكثيرها مسجل يشاهده الملايين حول العالم على المدونات وعلى شبكات الـ«فيس بوك» والـ«يو تيوب» You-tube لناظر التنكيل بالمواطنين.

العالم كله يعرف اسم ووجه إسراء عبد الفتاح، الهادئة الرقيقة التي اثبتت ان الـ«كيبورد» أمضى من سيوف الأمن.

فبعد القبض عليها بتهمة تدبير العصيان المدني في 6 ابريل على صفحتها الـ«فيس بوك» التي زارها 70 الف مصري الكترونيا؛ امرت النيابة بإخلاء سبيلها لعدم كفاية الادلة. لكنها اختفت على يد «مجهولين» لايام حتى كشفت الصحافة انها محبوسة في سجن القناطر في انتهاك واضح للقانون.

فهل سيستدعي نواب البرلمان المصري وزير الداخلية، الذي أمر بالافراج عن اسراء بعد 18 يوما إثر افتضاح الامر في الصحافة، للمثول امام لجنة تحقيق لمعرفة المسؤولين عن انتهاك القانون وانتهاك حقوق مواطنة مصرية؟

فلو كان وزير الداخلية غافلا عما يرتكبه الامن في حق بنات الناس، فهي مصيبة، اما اذا كان يعلم فالمصيبة أعظم. التجول بين مدونات المصريين ووجوههم على الـ«فيس بوك» يبين ان مصر ما تزال بلدا متحضرا، ويبقى ان يؤكد البرلمان ذلك.