الديمقراطية تتراجع حول العالم

TT

هناك تراجعان مهمان يحدثان في عالم اليوم. أحدهما جذب الانتباه بشدة، وهو التراجع الاقتصادي في أميركا، لكنه سوف يمر في نهاية الأمر، ولن يكون العالم أسوأ مما كان. أما التراجع الثاني فهو الذي لم يحظ بالاهتمام. إنه يسمى «التراجع الديمقراطي»، وإذا لم تتم معالجة هذا الأمر، فإن وجه العالم سوف يتغير لمدى من الزمان طويل.

وأول من استخدم مصطلح «التراجع الديمقراطي» هو لاري دايموند وهو عالم سياسي في جامعة ستانفورد، في كتابه «روح الديمقراطية». والأرقام تخبرنا بالحقيقة. ففي نهاية العام الماضي، لاحظ معهد «فريدم هاوس» الذي يتتبع اتجاهات الديمقراطية والانتخابات على مستوى العالم، أن عام 2007 شهد أسوأ عام للديمقراطية منذ نهاية الحرب الباردة.

ويقول دايموند: «هناك نحو 23 دولة في العالم تمثل نحو 60 بالمائة من صادرات البترول والغاز، وليس من بين هذه الدول دولة ديمقراطية واحدة». ففي دول مثل روسيا وفنزويلا وإيران ونيجيريا يستخدم الحكام أموال البترول ليثبتوا أقدامهم في السلطة. ولكن مع أهمية البترول في إعاقة المد الديمقراطي، فإنه ليس العامل الوحيد. فانحدار تأثير الولايات المتحدة والسلطة الأخلاقية لهما دور كذلك. وقد أثبتت ديمقراطية بوش في العراق فشلها، بأيدينا نحن وبأيدي العراقيين. وقد تعرضت قدرة أميركا على تطوير الديمقراطية في أماكن أخرى للضرر. ففضيحة سجن أبو غريب ومعتقل غوانتانامو لم تساعد الولايات المتحدة في ذلك أيضا. ويقول دايموند الذي عمل في العراق كأخصائي ديمقراطي: «لقد كان هناك تشتيت في القوة الأميركية خلال الأعوام القليلة الماضية».

ويعلم القادة المستبدون ذلك ويستفيدون منه. ومن الأماكن التي يمكننا مشاهدة ذلك فيها، زيمبابوي، حيث يحاول الرئيس موغابي سرقة الانتخابات بعد سنوات عديدة قاد فيها هذا البلد إلى الهاوية. ويمكنني القول بأنه ليس اليوم أسوأ من موغابي بين قادة العالم كله. والشخص الوحيد الذي يضاهيه ويحميه هو جاره رئيس جنوب أفريقيا ثابو مبيكي.

وقد جرت الانتخابات في زيمبابوي في التاسع والعشرين من مارس (آذار) وأعلنت الحكومة عن النتائج في الأسبوع الماضي فقط. ويبدو أن موغابي قرر أنه لا يستطيع ادعاء الفوز، حيث إنه كانت هناك أدلة عديدة على عكس ذلك. ولذلك فقد أعلنت حكومته أن زعيم المعارضة مورغان سافنغيري قد فاز بنسبة 47.9 بالمائة وفاز الرئيس موغابي بنسبة 42.3 بالمائة. وحيث أن أيا منهما لم يحقق 50 بالمائة، فيجب إجراء جولة أخرى بموجب القانون.

ويقول زعيم المعارضة وحركته من أجل التغيير الديمقراطي إنهم فازوا بنسبة 50.3 بالمائة وأنه يمكنهم تقرير ما إذا كانوا سيدخلون في جولة أخرى أم لا. وقد أصبح القادة المعارضون هدفا لحملة من السجن والاعتقال. وإذا كان رئيس جنوب إفريقيا قد أوقف دعمه الاقتصادي والسياسي لموغابي، فإن الأخير كان سيضطر إلى الاستقالة بعد سنوات طويلة أمضاها في الحكم. لكن مبيكي يشعر بالشفقة على الشعب الذي طال عناؤه في زيمبابوي. وهو يشعر بالولاء لصديقه موغابي الذي كان رفيقه في حركة مقاومة الاستعمار. فلماذا كانت حركة مقاومة الاستعمار إذا؟ هل كانت هذه حركة من أجل استعباد القادة لشعوبهم في إفريقيا بدلا من استعباد الأوروبيين لهم؟

إن ما فعله موغابي لبلده هو أسوأ أعمال الحكم على مدى التاريخ. فقد وصل التضخم إلى أن أصبح أهل زيمبابوي يضطرون إلى حمل نقودهم في حقائب إذا كان لديهم أي نقود. وأصبحت أرفف المحلات خاوية وانهارت الزراعة وارتفعت معدلات الجريمة ويموت الشعب من الجوع في هذا البلد، كما أن الكهرباء لا تكفي الإضاءة هناك.

ماذا يمكن أن تفعل الولايات المتحدة؟ في قضية زيمبابوي، نحتاج إلى العمل مع القادة الأفارقة المعتدلين مثل رئيس زامبيا ليفي مواناواسا للضغط من أجل انتقال سلمي للسلطة. ونحتاج إلى العمل مع حلفائنا الغربيين، وتقديم موغابي وعصابته إلى محكمة الجرائم الدولية مثلما فعلنا مع قادة صربيا. كما أن علينا فعل ما يمكننا فعله لتطوير بدائل للبترول من أجل إضعاف أباطرته. وربما يكون ذلك سببا لرغبة جون ماكين وهيلاري كلينتون في رفع ضرائب الوقود خلال الصيف، حتى يقود الأميركيون سياراتهم أكثر وترتفع أسعار الوقود أكثر وأكثر. وربما يقول قائل إن ذلك لن يؤثر كثيرا، وأن ذلك ليس نهاية العالم. ولكنني أقول إن ذلك مسمار في نعش الديمقراطية حول العالم كله.

* خدمة «نيويورك تايمز»