العلاقات الإيرانية ـ المصرية.. والعقبات التي تعترضها 

TT

خطت إيران خطوات عديدة من أجل استئناف العلاقات المقطوعة مع مصر منذ نحو 30 عاما، ولكن هذه الخطوات واجهت عقبات متعددة حالت دون انفراج في هذه العلاقات.

فقد زار ثلاثة من كبار المسؤولين الإيرانيين القاهرة قبل شهرين، والتقوا الرئيس المصري حسني مبارك، وأبدى الجانبان رغبتهما في استئناف العلاقات بين البلدين، ولكن عوامل عديدة حالت دون الإعلان عن استئنافها.

فالجانب الإيراني أبدى مرات عديدة، رغبته في استئناف العلاقات مع مصر، حتى أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أعلن بصورة واضحة وصريحة، ان إيران مستعدة لإرسال سفير لها إلى القاهرة فورا، في حال قبلت مصر استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وكان الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الإيراني والمصري حول الوضع في غزة آخر اتصال بين الجانبين على مستوى قادة البلدين.

وزار مصر كل من الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني، ورئيس البرلمان الإيراني غلام علي حداد عادل، ومستشار مرشد الجمهورية الإسلامية اكبر ناطق نوري. وكان الثلاثة قد استقبلوا من قبل المسؤولين المصريين، ولكن مصر لم تقبل استئناف العلاقات بين البلدين حتى الآن.

وكانت العلاقات الإيرانية ـ المصرية قد قطعت عام 1979 بعد أن زار الرئيس المصري الراحل أنور السادات القدس، ووقع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن اتفاقية كامب ديفيد.

واستمرت القطيعة بين الجانبين، حتى تولي الرئيس حسني مبارك السلطة في مصر، حيث ابدى الجانبان رغبتهما في تعزيز العلاقات بين البلدين. والتقى الرئيس حسني مبارك مع الرئيس السابق محمد خاتمي، ولكن العلاقات بقيت على مستوى منخفض أي احتفظ البلدان بمكتب لرعاية المصالح.

وكان المسؤولون المصريون قد أعلنوا عدة شروط لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، منها تغيير اسم شارع في طهران، أطلق عليه اسم قاتل السادات خالد الإسلامبولي، كما ان مصر اشترطت إزالة صورة لخالد الإسلامبولي مرسومة على حائط في نفس الشارع.

وأعلن المسؤولون الإيرانيون عن موافقتهم على الشرطين المذكورين، إلا ان السلطات المصرية لم تبد تغيرا من  موقفها تجاه إيران.

وشنت الصحافة المصرية خلال الأشهر القليلة الماضية، حملات مركزة على طهران، متهمة المسؤولين الإيرانيين بالتدخل في الشأن العراقي، كما أشاروا إلى قضية الجزر الثلاث في الخليج ودعم إيران لحزب الله وحركة حماس، معتبرين أن سياسة إيران في دعم حركة حماس سوف تضعف الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

كما طرحت مصر في صحافتها قضية داخلية مصرية، ألا وهي توسع النفوذ الشيعي في مصر، وهذا لا يرتبط بالموقف الإيراني، مع ان الصحفيين المصريين اعتبروا توسع النفوذ الشيعي في مصر، جاء من وحي التأثير الإيراني.

ويقول خبير إيراني ان مصر التي لها علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة، وتحصل منها على مساعدات سنوية لا تريد باستئناف العلاقات مع إيران تجنبا لإغضاب المسؤولين الأمريكيين، الذين يرون أن إعادة العلاقات بين إيران ومصر تشكل نكسة لسياساتهم الشرق أوسطية وفوزا للسياسة الايرانية ‌على حسابها. ويرى الخبير الإيراني أن إيران تعتبر مصر إحدى الدول المهمة في المنطقة، وترى أن مصر قادرة على لعب دور الوسيط بينها وبين الدول العربية التي تخشى من سياساتها، بينما ترى إيران أنها تريد تعزيز العلاقات مع الدول العربية، ولا تريد التدخل في شؤونها، ولن تعمل على زعزعة أنظمتها أو تصدير ثورتها إليهم، بل إنها ترى الوضع الراهن يتطلب تعاون جميع الأطراف لمواجهة التحديات.

وقد بذل المسؤولون الإيرانيون قصارى جهودهم من اجل استئناف العلاقات مع مصر وتعرضت وزارة الخارجية الإيرانية لنقد لاذع من جانب الصحافة المتشددة والفئات التي لا تريد ان تستأنف العلاقات مع مصر.

وقد انتقدت صحيفة «جمهوري إسلامي» المتشددة ما اعتبرته تهافت المسؤولين الإيرانيين على مصر وإعلانهم الرغبة في استئناف العلاقات الدبلوماسية، معتبرة أن هذا التهافت قد شجع المسؤولين المصريين على طلب تنازلات لا حد لها من إيران، بينما اكدت الصحيفة على ان النظام في مصر ليس في وضع سياسي يجعله يطلب المزيد من التنازلات من ايران. وأكدت الصحيفة أن «النظام المصري الذي يواجه جملة من الأزمات الداخلية، ولا يتمتع بشعبية داخل مصر، لا يحق له وضع شروط لإيران». كما انتقدت الصحيفة مسؤولي السياسة الخارجية الإيرانية بسبب «دم اتخاذهم مواقف صحيحة وصائبة تحفظ عزة وشموخ إيران في المنطقة».

فهناك أطراف إيرانية لا تريد تطبيع العلاقات مع مصر وتطرح ذرائع عديدة منها ان نظام حسني مبارك له علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة، ولا يمكن له أن يضحي بعلاقاته مع الولايات المتحدة، في سبيل تطبيع العلاقات مع إيران.

ولكن أطرافا إيرانية أخرى ترى أن حسني مبارك منزعج من سياسات الولايات المتحدة وتدخلها في الشؤون المصرية، وقطع جزء من مساعداتها عن مصر، وهو يريد بتحسين علاقاته مع إيران، أن يوجه رسالة للأمريكيين.

الجانب الإيراني، وخاصة الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد الذي ابدى مرات عديدة رغبته في استئناف العلاقات بين البلدين، لديه رغبة صادقة في تعزيز العلاقات الثنائية مع جميع البلدان العربية. وقد اظهر الرئيس الإيراني هذه الرغبة عمليا بمشاركته في مؤتمر قمة مجلس التعاون في الدوحة وزيارة المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، وذلك بدعوة من العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. والرئيس الإيراني يدرك مدى النفوذ الكبير للمملكة العربية السعودية ومصر في المنطقة. الرئيس الإيراني يدرك جيدا مدى تأثير ونفوذ السعودية في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في لبنان. وهو يرى كذلك أن مصر لها ثقلها الكبير في الشرق الأوسط، ولها تأثيرها في المنطقة، ويعلم مدى ارتباط الشعبين المصري والإيراني وعلاقاتهما القديمة.

ورغم النقد اللاذع الذي يواجهه الرئيس أحمدي نجاد من جانب الصحف المتشددة والشخصيات داخل النظام، الذين لا يريدون استئناف العلاقات مع مصر، ويقفون عقبة في هذا الطريق، فإنه يواصل دعوته لمصر من اجل استئناف العلاقات معها. كما ان معارضي الرئيس الإيراني لا يرون أي فائدة لإيران من استئناف علاقاتها مع مصر، بل إنهم يؤكدون أن تقديم تنازلات لمصر سوف يجعل النظام في مصر يطلب المزيد من التنازلات مقابل لا شيء، خاصة أن الشاه محمد رضا بهلوي، مدفون في القاهرة وتسمح الحكومة المصرية كل عام لأفراد عائلة الشاه ان يقيموا حفلا تأبينيا على قبره، ولم تشترط إيران إغلاق مقبرته مقابل إزالة صورة خالد الإسلامبولي واسمه من أحد شوارع طهران.

العلاقات الإيرانية ـ المصرية تطورت على المستويين الاقتصادي والثقافي خلال السنوات العديدة الماضية، وتقوم شركات إيرانية بالتجارة والاستثمار في مصر. كما ان هناك مشاريع اقتصادية مشتركة بين البلدين ويرحب المسؤولون المصريون بتطوير العلاقات في المجالات الاقتصادية والثقافية.

ولكن زيارة المواطنين في البلدين متوقفة منذ ان قطعت العلاقات بين البلدين، ويمكن ان يفتح استئناف العلاقات الدبلوماسية الطريق للإيرانيين لزيارة مصر، خاصة أن المراكز السياحية في مصر تستأثر باهتمام الإيرانيين، وأن آلاف الإيرانيين يرغبون في السفر إلى مصر لزيارة الأهرامات ومقام رأس الحسين في القاهرة، وهذا ما سيدر على الحكومة المصرية ملايين الدولارات سنويا مثلما هو الحال بالنسبة للعراق وسوريا حيث يزور مئات آلاف الإيرانيين كل من سورية والعراق.

كما ان خبرة إيران في المجال النووي يمكن ان يجعل البلدين يتعاونان مستقبلا في المجال النووي، خاصة أن مصر بدأت منذ عهد بعيد في العمل من اجل كسب التكنولوجيا النووية. وقد أعلنت إيران أنها مستعدة لتقديم خبراتها للدول المجاورة في مجال التكنولوجيا النووية.

ويبدو ان الوقت الحالي ملائم للجانبين لأن يتخذا القرار المناسب في استئناف العلاقات الدبلوماسية، وأن يضعا نقاط الخلاف الصغيرة جانبا لأن الفرصة مؤاتية والظروف مهيأة للاتفاق على إعادة العلاقات المقطوعة بين البلدين.

* كاتب وصحافي إيراني