حزب «آية» الله..

TT

ستحكي الجدات عن أسطورة أشبه بالشاطر حسن وعلاء الدين وسندباد وأبو زيد الهلالي، أسطورة كان اسمها حزب الله. هذا الكيان المنظم الذي وجه جهده وسلاحه وتفكيره باتجاه عدو سافر يحتل أراضي بلاده اسمه إسرائيل، ولأجل هذا الهدف العظيم التف حوله الناس ودعموا هذا التوجه بالمال والجهد والقول والعمل، ولكن شيئا ما قد حدث، شيئا ما مريب، شيئا ما غير مريح، لقد تحولت فوهة البندقية من بوابة فاطمة على حدود لبنان الجنوبية صوب قلب بيروت وباتجاه مقر رئاسة الوزراء بالسراي، ولم يعد أولمرت وعصابته ليفني وباراك ومن على شاكلتهم هم الأعداء المقصودين، ولكن أصبح فؤاد السنيورة وأحمد فتفت وخالد القباني وغيرهم من أعضاء الحكومة يحتلون هذه الأماكن وينعتون باتهامات ويوصفون بأوصاف كانت تقليديا دائما من نصيب إسرائيل وقارعي طبول الحرب الهمجية فيها . والآن ها هو «حزب الله»، وهو الحركة السياسية الوحيدة التي يسمح لها بالاحتفاظ بترسانة سلاحها، يركب موجة الدعوة النقابية لعمال لبنان ليحولها لوسيلة إثارة شغب وتمزيف وفتنة شعبية (وهي مسألة شبيهة جدا بما قامت بعمله حركة الإخوان المسلمين أخيرا في مصر بمدينة المحلة الكبرى). «حزب الله» بات هو المعادلة الأصعب في لبنان ورمز وأيقونة «العلاقة المريبة مع الخارج» فهو الكيان الذي بات يصور التعاون غير المفهوم مع الآخر الأجنبي، لا يمكن وصف علاقته بإيران بأنها علاقة «عادية» أو «دينية» فقط. فحزب الله كان شاهدا ومتسببا رئيسيا في فراغ «ولاية الرئيس» التالي لعهد إميل لحود ومترقبا التحول في لبنان وفي الحزب نفسه ليشهد على «ولاية الفقيه» فيه»! إنه مشهد مريع لانتزاع الولاية من الدستور اللبناني في «بعبدا» مجيرا الولاء الى «قم» مباشرة! نعم هذا ما يحدث في لبنان، فأكبر فريق سياسي فيه لم يعد «لبنانيا» بالقدر الكافي المريح الذي من الممكن أن يلتف حوله كافة الأطياف اللبنانية. «حزب الله» انضم لقائمة غير بسيطة من المقالب التي صدرتها لنا الوقائع السياسية البائسة في العالم العربي الحزين. فهو ينضم لجمال عبد الناصر الذي أضاع من الأراضي العربية أكثر مما كان محتلا حينما تسلم السلطة، وتسبب في فتن وحروب بين الدول العربية وبعضها أكثر من أي وقت، وانضم الى صدام حسين الذي كان من الحماقة والغرور لدرجة أنه أضاع بلاده بسبب ذلك، وانضم الى «تنظيم القاعدة» الذي لم يحصد إلا الإرهاب والدمار نتاج ما زرع من همجية. في نهاية المطاف وفي كشف الحساب السياسي لا يمكن إغفال أو إنكار المحصلة النهائية: كم انتكست الأوضاع الداخلية في لبنان وازداد انشقاق الصفوف منذ أن أدار حزب الله فوهات بنادقه ووجهها الى الداخل اللبناني؟ حينما ترتفع أعلام الأرز في مناطق الجنوب وترفع صور بشار الخوري ورياض الصلح، رواد الاستقلال، بدلا من صور «الغرباء» المتناثرة هناك، خيط رفيع ولكن واضح بين الانتماء الوطني والانكفاء على الخارج و«حزب الله» باختياره البديل الثاني أضاع فرصة عظيمة لصناعة تاريخ استثنائي.

[email protected]