شعراء ودبلوماسيون

TT

ثمة سرّّ ما بين الدبلوماسية والشعر. فرنسا ارسلت شاعرها سان جون بيرس الى الامم المتحدة، والشيلي ارسلت بابلو نيرودا الى باريس والمكسيك ارسلت اليها اوكتافيو باث. وذهب الى الدبلوماسية من الشعر وعاد، نزار قباني. وذهب واستعاد عمر ابو ريشة. وذهب الى العمل الدبلوماسي واغتنى الشعراء بالفرنسية، كمثل صلاح ستيتيه وجورج شحادة. وفي الدبلوماسية العربية الحديثة تجربتان فيهما الكثير من الاداء السياسي وشغف الشعر والأدب: الدكتور غازي القصيبي والدكتور عبد العزيز خوجة. وكلاهما جاء من علم بعيد مستبعد: القصيبي من الادارة والاقتصاد، وخوجة من دروس الكيمياء وجامعة بيرمنغهام للعلوم.

وما أبعد الندى في شعر عبد العزيز خوجة عن خلائط المختبرات. فالتفجر هنا هو تفجر المشاعر والوجد والمناجاة. والضوء هو ضوء الارتقاء بالنفس، يحاكيها شعراً ويدفع بها الى عالم الابتهال. واذ تملك ملكة الشعر جعلها لغة المخاطبة، حملته اخيراً الى لبنان، الذي جعله قصيدة اخرى ومطلعاً لديوانه الاخضر الجميل «رحلة البدء والمنتهى».

ما رأيت من قبل ديواناً في اناقة هذا الديوان. وكم سوف يغبطه الشعراء على هذا الاناء الذي رتب فيه اضاميم الحديث من الشعر وبعض مختارات المجموعات السابقة. وقد قدم للديوان الشاعر المؤرخ رفيق معلوف، بدراسة نقدية نادرة في منهجيات التقديم والتعريف بالشاعر وشعره.

لكن المقدَّم لا يخلص الى تسميات يصنّف بها شاعره برغم الجهد الواضح. ولذا يتركنا الى ادراكنا السليقي، وهو ان المذاهب الشعرية لا تعود ذات اهمية اذا ما تجاوزت الشاعرية اطار المسمى. وفي قناعتي ان الايقاع النغمي الكلاسيكي، هو ما يطغى على المجموعة الشعرية شبه الكاملة. وتطغى على سائر قوافيها عاطفة ريَّة وصدق صحراوي متماد في البساطة والعمق والسلاسة.

اذ تبحر مع عبد العزيز خوجة في هذه الرحلات الفسيحة، وتتأمل في ما تجمع من قصيد على مدى السنين والبلدان والمرافئ، يبدو لك ان الرجل ولد شاعراً لا كيميائياً. واختار العمل الدبلوماسي لأنه يكمل الذائقة الشعرية ويغنيها ويمنح صاحبها شرفة على البحر، كلما خرج اليها وجد افقا يستدعيه.