رسالة إلى علماء لبنان

TT

في أحداث لبنان لم يفاجأ أحد بالسجال الذي يدور بين السياسيين في المعارضة والموالاة على القنوات الفضائية، فذلك من طبيعة السياسيين، ويتسق مع التزاماتهم الحزبية، وتوجهاتهم السياسية، لكن مباريات الشاشات الفضائية التي خاضها بعض علماء الدين اللبنانيون، الذين توزعت انتماءاتهم بين الأحزاب السياسية، شكل مفاجأة للجميع، فتوظيف الدين وفق متطلبات الصراع من شأنه أن يهز مكانة العلماء، ويضعف من مقدراتهم على لعب أدوار فاعلة في التهدئة، ونزع فتيل الصراع، والتقريب بين الأطراف لمصلحة لبنان.. وقد شاهدت خلال الأيام الماضية على شاشات القنوات الفضائية بعض علماء دين لبنانيين تركوا أدوارهم ومسؤولياتهم كمرشدين، وموجهين، ومصلحين، وواعظين، وانخرطوا في لعبة الحرب النفسية في خدمة هذا الفريق أو ذاك، وكان كلام بعضهم أشد مرارة، وأكثر عدوانية مما يفعله السياسيون..

كنت أتمنى من أولئك العلماء أن ينأوا بأنفسهم وبعلمهم وبمكانتهم عن خوض غمار تلك المعارك الكلامية التي تثير نقع البغضاء والحقد والكراهية، وأن يتوحد خطابهم في نبذ العنف، ووأد الفتنة، واستثارة الرحمة، لكي يظلوا الفنار الذي يبحر نحوه الجميع بحثا عن الحكمة، والنجاة، والخلاص، فحينما ينجر العالم إلى استقطاب هذا الفريق أو ذاك يفقد صلاحيته لأن يلعب دور المنقذ لمجتمعه.. ولو اجتمعت كلمة العلماء في الصراع الدائر في لبنان بدلا من التشرذم لكانت كلمتهم الأقوى والأمضى والأكثر فعالية وتأثيرا، ولكان لهم الدور الأبرز في وأد الفتنة، وتغليب الحكمة، وجمع الشتات..

فإذا صمت صوت الرصاص في شوارع لبنان، وخفت أنين الجراح ذات يوم، سيدرك أولئك العلماء الذين انجروا إلى سياقات الصراع أنهم خسروا مواقعهم وأدوارهم، ولربما مكانهم ومكانتهم، فمن صفات العلماء عدم الانجرار إلى الفتنة ولكن محاولة إخمادها، وعدم المضي مع العاصفة ولكن مساعدة الناس على الثبات في وجهها، وعدم انتظار وقوع الكارثة ولكن منع حدوثها.. واليوم فإن واجب العلماء اللبنانيين الأفاضل الذين احتموا بالحكمة في مواجهة الفتنة أن يجمعوا شملهم، وان يوحدوا صفوفهم، وأن يسمو فوق كل الخلافات لتضميد جراح لبنان، ولغسل ذاكرة اللبنانيين من أحزانها وكوابيسها وآلامها، فصوتهم سوف يكون فوق كل صوت، ونداءات سلامهم ستعلو على كل نداءات الحرب، وقوة حجتهم ستسمو على كل الذرائع..

فإن كانت فتنة لبنان قد أحرقت أوراق السياسي، فإن الناس اليوم في حاجة إلى نور العالم.

[email protected]