في أي زمان نعيش؟

TT

قال الشاعر الكبير البحتري:

ملّنا أم نبانا أم جفانا

أم قلانا فاعتاض عنا سوانا

ساخط نبتغي رضاه ولا يسأل

عن سخطنا أو عن رضانا

ما لنا نعبد العباد إذا كان

إلى الله فقرنا أو غنانا؟!

بل كلنا هؤلاء يا سيدي. فالملل والقرف والسخط والذل هي أهم صفات البشر. ففي أي زمان نحن؟

قيل إنه زمن الأشياء الصغيرة.. الذرة وانقسامها إلى واحد على ألف مليون.. والثانية التي تنقسم إلى واحد من مليون وألف مليون.. زمن الفِمتو وزمن النانو. إنه زمن النسبية في الفيزياء وعدم اليقين في علوم الفلك.. زمن الاحتمالات الكبرى. زمن التعصب في الشرق والتعصب ضد الشرق في الغرب.

وقيل زمن الإنسان الصغير، أي الرجل العادي.. زمن الجماهير وهي قوة فاعلة باطشة. والجماهير رغم قوتها لا تستطيع أن تقود نفسها أو تضيء طرقاتها، فلا بد لها من الأقلية الصفوة تشع النور في طرقاتها وخرائطها.. أرضها وسماها.

والجماهير هي التي غيرت الذوق العام وأفسدته أيضاً. والمثل الأعلى عند الجماهير أن يكون الناس متشابهين متطابقين تماما. وكل الناس مثل كل الناس، والناس كلها يجب أن تكون في طابور، في صف واحد، فالخروج عن الصف نشاز ونشوز.

وظهور الجماهير وسيطرتها قد طغت على الفرد. فالجماهير تكره الفرد والفردية. فليست الحرية هي حرية الجماهير في أن يفعل الفرد ما يشاء، وإنما هي حرية الفرد في أن يفعل ما يشاء ضد الجماهير، مؤكداً حريته وتميزه وخروجه على الصف. والعقلية الجماهيرية هي التي تقوم بقولبة الناس ووضعهم في قوالب متطابقة تماماً..

وضيق الناس بالناس.. والملل والقرف واليأس والتفاهة أيضاً، سببها أن الإنسان في لحظة أدرك أنه مثل الآخرين.. ويجب أن يبقى كذلك، فإذا نظر إليهم فكأنما ينظر إلى نفسه ويأكل مع نفسه. فما أقسى الملل عندما لا تجد في الدنيا وفي داخلك وحولك شخصاً واحداً هو أنت.