ما بعد انقلاب بيروت: حزب أصبح دولة.. حزب فوق القانون!

TT

ماذا بقي لحزب الله من إرث ليعتاش منه بعدما فعل كل ما فعل في بيروت؟

سؤال حارق يبحث عن إجابة. لقد شبه البعض سيطرة حزب الله على بيروت بسيطرة حماس على غزة! الحقيقة ان أي حركة مقاومة عندما تنخرط في العمل السياسي فإنها تنتقل من مرحلة العمل الميداني المسلح إلى مرحلة ممارسة الفكر والتحليل، او هكذا يجب، وهذا يعني القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية، حيث تكون اللغة مرتكزة على الحوار والأسلوب السلمي، وليست لغة العنف والترهيب والتهديد والوعيد، كما فعلت حماس ويفعله حزب الله الآن.

على ان هذا مأزق وقع فيه حزب الله وقد سبقته إليه حماس فسقطت في نفس الفخ، كنا نحترم دور حزب الله المقاوم عندما وجه سلاحه لإسرائيل، وقد نجح في مرحلة من المراحل وأدى دوره بامتياز، ولكن يبدو ان الشعور بالعظمة ولذة السلطة تجعلان الأمر صعبا في ان يفرّط فيهما من ذاقهما، ولعل خطاب الأمين العام السيد حسن نصر الله جاء ليؤكد هذه الرؤية. فقد أملى إرادة الحزب على الدولة.

فقد اتضح ان ما يجري اليوم في لبنان من حزب الله على فرض وصايته بالقوة، أنه يكرس أمرا واقعا جديدا، ألم يقل السيد «إنها مرحلة جديدة»؟ كان حسن نصر الله يشعر بالزهو وهو يتحدث بأسلوب استعلائي وبلغة القوة، لتنكشف الحقيقة الماثلة للعيان، في ان ما يحدث في لبنان هو انقلاب حقيقي وما اجتياح بيروت وترويع أهلها إلا بداية سيناريو تم إعداده في طهران بمساعدة سورية.

ان ما فعله الزعيم الملهم والحاكم الأوحد في بيروت هو انقلاب على الشرعية وتنفيذ أجندة إيران وسوريا على حساب الوطن اللبناني، فضلا عن كونه إهانة للشعب اللبناني، وانتقاصا من شرعية الدولة وسيادتها.

بات الجميع يتساءل: من عطّل المؤسسات الدستورية؟ من رسخ هذا الفراغ الدستوري؟ من ضرب المبادرة العربية بعرض الحائط؟ من خلق هذا الاحتقان؟ ومن جعل التأزيم شعارا للبنان؟ من قلص الدور العربي؟ بل من غيبه؟! إن من يتأمل خطاب حسن نصر الله سيجد إجابات لهكذا تساؤلات مشروعة، ولعل المثير يكمن في ما طرحه من مطالب وشروط، فضلا عن مستوى اللغة غير اللائق، فهو يريد من الحكومة الاستسلام وان ترضخ لمطالبه تنفيذا لأوامر إيرانية، لاسيما اذا ما عرف ان من يدير شبكة اللاسلكي هي شركة إيرانية. رغم ان المسألة تتجاوز هذه القضية الى ما هو أبعد من ذلك، فما هي إلا شرارة، وهو ما يفتح اكبر البوابات للتدخل الأجنبي، وكفيل بتكريس التدويل، جاعلا من ساحة لبنان ممرا لحلول إقليمية، وملعبا للتجاذب والاستقطاب.

لقد قرر المحور السوري الإيراني في ان يجعل لبنان الورقة الثانية بعد العراق، لتصفية حسابات، وربما مقايضات ومساومات، وكانت الأداة هي حزب الله، لقد فعلها في تموز ويفعلها الآن بامتياز ولكن هذه المرة في قلب بيروت.

ان ما يحدث في لبنان هو جريمة بحق وفتنة بعينها، فلم يعد الصراع صراعا سياسيا، بل هو بداية حرب أهلية، شعر حزب الله بأنه آن الأوان لإعلانها. كنا نقول ويسألونك عن الحل، فنقول إن الحل يكمن في الحوار والتوافق وتقديم التنازلات وتغليب مصلحة لبنان على المصالح المذهبية والفئوية والحزبية، ثم يقولون أين الدور العربي في حل الأزمة؟ الحقيقة أن العرب قاموا بكل ما هو مطلوب منهم وتوصلوا إلى مبادرة عربية تم الاتفاق عليها، ولعل رحلات السيد عمرو موسى الى بيروت دليل قاطع على اهتمام العرب في إنهاء الأزمة، لكن السؤال من هو الذي يعرقل التوصل للحل؟ من وقف ضد المبادرة؟ من نكث وعده بعد اتفاق القاهرة؟ أليست أجندة القوى الإقليمية، وتحديدا إيران وسوريا. إنني أتحدث هنا عن واقع سياسي، فالمسألة لا تتعلق بالذم او التهجم على هذه الدولة او تلك، بقدر ما انني أحاول تقديم قراءة واقعية للمشهد السياسي اللبناني.

إن العرب يرغبون في حماية لبنان من الهيمنة الإيرانية والسورية؟ ويدافعون عن حقه في السيادة والاستقلال.

وها هي السعودية كانت وما زالت تدعو الجميع الى الوفاق وإعادة الحسابات خشية حدوث الفتنة، لقد كانت المملكة على الدوام الى جانب لبنان ماديا ومعنويا، ودعمت جميع اللبنانيين بدون تفرقة او تمييز، وحاولت تجنيبه الانجرار الى حرب أهلية، ساعية الى تحقيق الحد الادني بين الفرقاء، ورغم انها تعرضت إلى حملة شعواء والى افتراءات من البعض، الا انها قابلت هذه الإساءة بالصبر والحلم، فبقيت على مسافة واحدة من الجميع، ولعل اتفاق الطائف الذي رعاه الملك الراحل فهد بن عبد العزيز رحمه الله، والذي أدى الى إيقاف الحرب الأهلية وعودة الحياة السياسية، دليل على ان المملكة ليس لديها أجندة خاصة بها، بقدر ما ان مرادها في ان ترى لبنان مستقلا آمنا ذا سيادة.

ولعل من يشرح الدعم السعودي يجده يرتكز على أمرين، وهما اعمار لبنان وتحقيق المصالحة السياسية من اجل السلم الأهلي. إنه موقف مبدئي وإنقاذي.

وبالعودة الى انقلاب بيروت، لا أحد يعلم إلى اين تتجه الأمور، وان كان خطاب سعد الحريري جاء هادئا عقلانيا، رافضا التصعيد وواضعا مبادرة للخروج من الأزمة، الا انه كما كان متوقعا، رفضت المعارضة المبادرة، ولم يعد باستطاعة احد معرفة الطريقة للخروج من هذا النفق. هل الحل لبناني أم عربي أم إقليمي أم دولي؟ القادم من الأيام كفيل بالإجابة. حمى الله لبنان.