مقاصد «الشعوذة» السياسية

TT

الدعوة التي اطلقت أساسا على موقع «فيس بوك» على شبكة الانترنت من قبل جماعة الاخوان المسلمين للإضراب في مصر، لم تلق التجاوب المطلوب ولم يكن هناك القدر الكافي من التجاوب الشعبي للاضراب عن العمل والانقطاع عنه كما طلبت الدعوة من الجميع. والحقيقة أن العالم العربي ابتلي بمدَّعِي الاصلاح بأشكال مختلفة. فهو رأى سموم العسكر تنتشر وتستشري في أحشاء البلاد، فبعد أن وصل العسكر الى سدة الحكم لاجل «الانقاذ» و«حكم الشعب» مارسوا أبشع أنواع التسلط والاجرام وقاموا بنهب أملاك الغير وبنوا وشيدوا القصور والسجون كما لم تشهده العصور السابقة لهم. وبعدها أتت محاولات صبغ المشروع السياسي بصبغة دينية حركية لإطفاء الشرعية المطلوبة لها، وإرساء فرص القبول مع العموم من الناس. وكم هو مضحك وساخر «توظيف» الأدوات والتقنية الحديثة كالتلفزيون والانترنت والتظاهر والتصويت، وهي كلها أدوات وتقنية مستوردة فعليا وفكريا من الغرب «الكافر» الذي يجب «عدم التعامل معه ونبذه». المصريون لم يشاركوا في الدعوة للاضراب، لأنهم يريدون العيش بكرامة ولا يرغبون في الهروب من مأزق الى أحضان شائكة مدمرة تتلاعب بخصوصيات دينهم وعلاقتهم بربهم.

«الشعوذة» توصيف حينما يتم خلط الحق بالباطل، ويتم توظيف المقاصد والغايات الكريمة والنبيلة للمواطنين الذين ينشدون تطوير حياتهم باحترام ورقي. الشعوب العربية باتت لها أدوات استشعار عالية وشديدة الحساسية، فهي سئمت من اللعب بكل مشاعرها وطموحاتها والكذب عليها. فهي باتت تستطيع التمييز الحقيقي بين مَنْ يدَّعي الحق ويدافع عنه وبين مَنْ ينشد الكرسيَّ لأجل السلطة والمجد الشخصي. التسلط السياسي والفساد وغياب قنوات المشاركة الشعبية في صناعة القرار السياسي آفة خطيرة تهدد الاستقرار وتسمح بتوغل الكثير من الافكار غير البريئة وغير السوية. مشكلة الوضع السياسي في مصر أن الثورة ومن أتت به في الحكم لم تستطيع توصيل وتحقيق الوعود الكبرى التي لوحت بها ونشرتها كميثاق ونهج.

ومن جهة أخرى، لم تستطع المعارضة أن تكون صوتا عادلا يتبنى فكرة المواطنة السوية ويروج لها بأسلوب يتعامل مع كينونة الوطن الحديث بدلا من اختراع فكرة وهمية وبيعها للناس ومن أجلها دُفِعَتْ أثمان باهظة وزهقت أرواح أغلى من أجل ماذا ؟ الدين علاقة كريمة وخاصة ومقدسة بين العبد وخالقه، وَجِد لأجل عبادة الله وإقامة العدل بين الناس، ولأجل هذا هناك العديد من الطرق والأساليب التي على المجتمعات إحداثها وتطويرها حتى يتم الفصل بين النوايا السياسية المغلفة بعباءة الدين وبين مسيسي الازمات السياسية في الحكم. وهذه ولا شك معضلة هائلة تأسر العالم العربي وتهدد مستقبله بقوة.

[email protected]