الفتنة الكبرى

TT

يبدو أن حسين شريعمداري كان محقا وهو يقول: «إذا حدث أي شيء، فإن الأمريكيين والإسرائيليين سيندمون. وحزب الله مجرد عينة لما يمكن أن يحدث، يمكن مقارنة ذلك بما نستطيع أن نفعله».

هذا الصقر الصحافي الإيراني، رئيس تحرير كيهان، ومستشار المرشد خامنئي، قال هذه الكلمة في مارس الماضي في جريدة «الشرق الأوسط» وهو يتحدث عن قدرات وإمكانيات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الرد على من يريد منعها من التمدد أو امتلاك القدرة النووية العسكرية.

نعم هو محق في تحذيره، فها نحن نرى الحزب الإلهي يحتل لبنان ويهدم السلم الأهلي.

انقلاب حزب الله العسكري لم يأت اعتباطا، بل هو جزء من منظومة مقاومة إيرانية وورقة حان وقت استخدامها لتقوية موقع طهران التفاوضي، وفي «السكة» تقوية موقف دمشق الأسد.

ليست قصة مقاومة وشبكة اتصالات وضابط مطار، كل هذا هراء ، وحتى لو كان حزب الله يعتقد أن حكومة السنيورة المسلوبة القوة التنفيذية قادرة على تفعيل هذه القرارات او المراسيم، فإن قصارى ما كان يتوقع من ردة فعل الحزب الإلهي سياسيا هو أن يعلن، وببساطة شديدة، رفضه تنفيذ القرارات، ولن يقدر احد على إجباره على التنفيذ، وهو يعرف أن لا أحد يملك السلاح «المقدس» الا هو في لبنان ، فمن يخاف؟!

حزب الله اقترف هذه الحرب الداخلية لصالح أجندة إيرانية بالدرجة الأولى.

لا يقدر حزب الله على نفي ارتباطه العضوي بإيران، لا سلاحا، ولا سياسة، ولا عقيدة، ولا إعلاما (قناة المنار أعلنت قبل أيام عن تقديم وثائقي من حلقتين عن مدى عظمة القوة العسكرية الإيرانية). الحزب جزء أصيل من المنظومة الإيرانية، وحتى شعاره المعلن: «الثورة الإسلامية في لبنان» كما هو مرقوم على رايته الرسمية، ولاحظوا ظرفية «في لبنان» أي انه جزء من مشروع اكبر يشمل العالم الإسلامي كله، ونصر الله وجماعته ليسوا إلا الوكيل المحلي للمشروع في لبنان.

الحزب الإلهي مرتبط بإيران الثورة الخمينية ومكلف بنشر مضمونها الإيديولوجي، هذه قضية لا يستحي الحزب نفسه من الاعتراف بها، بل يفخر، ويكفي أن ترى صور خامنئي والخميني تتوزع بمقاسات كبيرة في جميع أحياء وقرى الشيعة في لبنان، على يد عناصر حزب الله طبعا.

من البدايات كان ارتباط الحزب بالمشروع الثوري الخميني واضحا، بل كان اشد وضوحا في البدايات، وحتى تصريحات حسن نصر الله حينما كان قياديا شابا في حزب الله كانت أكثر صفاقة في الاعتراف بهذا الارتباط والانتماء.

في إحدى المناسبات اللبنانية في شهر مارس من سنة 1997 قال الناطق باسم حزب الله إبراهيم الأمين حينها: «نحن لا نقول إننا جزء من إيران: نحن إيران في لبنان ولبنان في إيران». كما ذكرت ذلك جريدة «النهار» حينها.

وحسن نصر الله، أمين عام الحزب قال في وقت سابق، في مجلة المقاومة لسان حال الذراع العسكرية للحزب: «إن المرجعية الدينية هناك (إيران) تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا» (مجلة المقاومة، العدد 27، ص 15 و16).

إذن فقصة حصانة سلاح المقاومة وتعاليه، سقطت الآن، وهي ساقطة من قبل، ولكن ظل الحزب ومن معه يبتزون الجميع بتهمة الخيانة، ويكذبون على الناس بأن سلاح المقاومة لن يرتد الى الداخل، سقطت هذه الأسطورة، وتحول سلاح الحزب الخميني إلى الداخل، ولم يعد بمقدوره الادعاء بأنه ليس ميليشيا، بل أقول انه أسوأ من الميليشيا، لأنه إذا كانت السمة المعروفة عن الميليشيا هي الارتزاق أو القتال بدون هدف فكري كبير، فإن سلاح حزب الله هو سلاح ديني أصولي، في جانب، على انه سلاح وظيفي خارجي، يتم استثماره لصالح دولة أجنبية، هي إيران، على ما صرح به شريعتمداري مستشار خامنئي.

الحقيقة التي يجب على حسن نصر الله أن يعرفها، وأظنه نسيها في سكرة القوة، هي أنه قد أطلق فعالية الفتنة بكل معانيها، في منطقة شديدة التهيج، والقابلية للإثارة الدينية والطائفية.

يجب ان يعرف أن طريقة الإذلال التي مارسها مع أحلافه من ميليشيا أمل والقومي السوري، ستكون لها ردود فعل قوية وعميقة، وصعبة الانتهاء ـ بصرف النظر عن نتائج اللجنة العربية أو حيل السياسة اللبنانية الداخلية، أتحدث عن شيء أخطر وأكبر، ألا يدري هذا الرجل المثقف والمطلع على تاريخ الإسلام، ألا يدري عن ميراث الحروب بين السنة والشيعة، ألا يرى مفاعيل هذه الفتنة في العراق، الم ير ما جرى في باكستان من حرب دامية بين السنة والشيعة ؟

كيف يقامر بمصير الطائفية الشيعية اللبنانية، التي هي مكون رئيسي من مكونات الشعب اللبناني، كيف يقامر، وربما يورث الآخرين عداوتها ، فقط لأن الولي الفقيه في طهران قرر إشعال لبنان من اجل مشكلته الخاصة مع أمريكا ؟

لقد أجرم الحزب الإلهي بحق الشيعة اللبنانيين، ومؤكد أن منهم الكثير ممن هو مغلوب على أمره كما قال وليد جنبلاط.

العجيب أن نصر الله في مؤتمره الصحافي الذي سبق انطلاق مقاوميه الأشاوس في أزقة بيروت الغربية، استهان بوجود فتنة سنية وشيعية، ثم قال: «لا أحد يهول علينا بالفتنة». مع ابتسامة لا مبالاة، وكأنه يقول: حتى لو شعر السنة بالمهانة والإذلال، فلن يؤثر ذلك فيما افعله... وهذا غاية الاستهتار في منطقة متهيجة دينيا وسياسيا.

لا أدري هل عرف نصر الله بكل ذلك؟ وهل عرف الآن أن صورة الحزب الإلهي في العالمين العربي والإسلامي وصلت إلى الحضيض والتصقت به السمة الطائفية ، شاء أم أبى؟

الذي يخشاه الإنسان حاليا، ومع تزايد مشاعر النقمة لدى بقية اللبنانيين، خصوصا السنة، هو ولادة مناخ تطرف وعنف، وكلنا يعرف أن الزرقاوي في العراق سبح ـ فترة من الوقت ـ على مشاعر الغضب السني من التطرف الشيعي وعربدة فيلق بدر.

ربما تختلف الظروف والملابسات والساحات، ولكن لا مناص من الاعتراف بأن «غزوة حزب الله» قد أطلقت فعالية تطرف وتطرف مضاد، وسيحفظ له التاريخ انه أول من أشعل فتنة سنية شيعية في لبنان، وحينها ربما يندمون ولات ساعة مندم.

ظللنا طيلة السنوات الماضية ننقد التطرف السني والجماعات الدينية الاصولية السنية، وسنظل على ذلك، ولكن ماذا عن هذه الفورة الأصولية الشيعية ؟ ماذا عن الهجمة الخمينية الإيرانية ؟

الشر واحد ... والذي نراه الآن هو عربدة أصولية بنسخة شيعية، والأخطر من القاعدة أنها مرتبطة بتنفيذ مشروع ورؤية دولة كبيرة في الشرق الأوسط هي إيران، بينما القاعدة كانت ترهب وتقتل لحسابها الخاص، وهو حساب مبعثر وفوضوي.

اعرف أن كثيرا من الشيعة العرب يتملكهم الغضب من سياسة إيران، كما اعرف أن كثيرا من شيعة لبنان، بعضهم في السر وبعضهم في العلن، غير موافقين على تصرفات حزب الله، ويكفي أن نتذكر أن السيد علي الأمين مفتي صور وجبل عامل، كان من ضحايا المقاومة الإسلامية لحزب الله بعد الهجوم على منزله، وما ذاك إلا لأن علي الأمين قرر أن يكون الولاء للبنان وليس لإيران.

يجب أن يهب العقلاء من الشيعة العرب لرد هذه الهجمة الإيرانية على البلاد العربية، لوأد نار فتنة يشعلها حزب الله، لن تتوقف على لبنان:

أرى خلل الرماد وميض نار / ويوشك أن يكون لها ضرام

فإن لم يطفها عقلاء قوم / يكون وقودها جثث وهام.

[email protected]