فرنسا.. اتحادان في عز الصيف المقبل

TT

سيكون يوليو القادم شهرا استثنائيا بالنسبة إلى فرنسا، التي استعادت مع رئيسها الحالي نيكولا ساركوزي نشاطها الديبلوماسي المكثف. ذلك أنه منذ تسلمه كرسي الرئاسة، عمد إلى استثمار الرصيد النوعي للعلاقات الخارجية الفرنسية اقتصاديا وماليا وتجاريا وبذلك يكون ساركوزي قد تعاطى خاصة مع علاقات فرنسا مع العالم العربي والإسلامي، بوصفها رأس مال قويا وخبرة حولها إلى صفقات بملايين الدولارات.

ويبدو أن الديبلوماسية الفرنسية، سيتضاعف نشاطها في شهر يوليو القادم عدة مرات مما سيدعم آليات الجذب الفرنسية. ونقصد بذلك استعداد فرنسا إلى حدثين مهمين كبيرين متزامنين تقريبا وهما حدث اطلاق الاتحاد من أجل المتوسط يوم 13 يوليو المقبل وهو حدث يراهن عليه الرئيس الفرنسي كثيرا وقد بدأ يروج له منذ الحملة الانتخابية الرئاسية إذ سخر الأشهر الماضية لتوسيع دائرة الدول الداعمة والموافقة على فكرة وضرورة قيام اتحاد متوسطي.

أما الحدث الثاني، فيتمثل في رئاسة فرنسا الاتحاد الأوروبي وهي فرصة ستخول النخبة الفرنسية السياسية من لعب دور مؤثر في القضايا الكبرى وعلى رأسها قضية الصراع العربي ـ الاسرائيلي وملف إيران النووي.

ورغم الأهمية الكبرى التي يوليها ساركوزي لهذين الحدثين، فإن المتمعن في استحقاقات وآفاق كل حدث سيرى أن الأمور لن تكون سهلة وميسرة، باعتبار أن بعض استحقاقات الحدث الأول متضاربة مع مقتضيات الحدث الثاني. وإذا كان الاتحاد من أجل المتوسط، يحتاج إلى سياسة تسويق مغرية وآليات جذب وتشجيع في سبيل حشد أكثر ما يمكن من الدول المتوسطية، فإن رئاسة الاتحاد الأوربي تشكل فرصة لممارسة فرنسا الضغط المؤثر سواء على سوريا أو على إيران أو «حماس» الفلسطينية. بالإضافة إلى أن تصريح ساركوزي بأن من أهداف اطلاق الاتحاد من أجل المتوسط بعث فضاء متوسطي للعلوم ومركز متوسطي للشباب، يشي بأن الاتحاد سيحمل صبغة ثقافية لن تؤتي ثمارها سوى على المدى البعيد كما هو شأن أي مشروع ثقافي. في حين أن رئاسة الاتحاد الأوروبي هي فرصة سياسية واقتصادية ممتازة، تصب في عمق مصالح فرنسا الحيوية.

طبعا حجم الرهان الذي أظهره الرئيس الفرنسي بخصوص مشروع الاتحاد من أجل المتوسط الذي صنفه ضمن أحلامه الملحة، يساعدنا على توقع التعاطي الجاد والحرص على تلبية مستحقاته لا سيما وأنه مشروع مستقبلي على عكس رئاسة الاتحاد الأوربي، التي هي على أهميتها حدث سياسي آني وعابر سينقضي بعد ستة أشهر أو أكثر بقليل من تاريخ تسلم الرئاسة.

ومما يؤكد حرص قصر الإليزيه على حشد أكثر ما يمكن من المنضمين للاتحاد من أجل المتوسط، هو ما بدأت تروج له النخبة السياسية الفرنسية الحاكمة من أطروحة جديدة مسيسة إلى أبعد الحدود، تهدف إلى استمالة الأنظمة العربية المتوسطية ونقصد بذلك التصريح بعدم تدخلها ـ أي فرنسا ـ في الخلافات الداخلية لبعض الدول العربية، مضيفة أن الدول الأوربية ذاتها تعاني من مشاكل سياسية وثغرات حقوقية. وهو ما يعني أن الأحزاب العربية المعارضة ستكون أحد أكباش الفداء المتوقعة للاتحاد المتوسطي.

وبالنسبة إلى الطرف العربي، نعتقد أنه بإمكان استثمار الحدثين الفرنسيين المقبلين سياسيا وذلك بتحديد حاجات فرنسا وحجمها للدول العربية والإسلامية وبالتالي التعرف إلى ما يمكن أن تدفعه سياسيا في ملف الصراع العربي الإسرائيلي تحديدا في مقابل سد حاجياتها من الطرف العربي.

[email protected]