هدوء داخل العاصفة

TT

فصول المأساة اللبنانية مستمرة وتأبى أن تنتهي، مثلها مثل ملحمة إغريقية طويلة مليئة بالحزن والمأساة. هذه المرة البطولة لمليشيا حزب الله، والذي كان يعرف بمسمى سابق: المقاومة! ولكن هذا كان زمان، وكما قالت أم كلثوم «إن كنت عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يا زمان»، وهذا طبعا غير ممكن ومستحيل. وحزب الله لم يتعد فقط على مواطنيه، سنة ودروزا ومسيحيين، ولكن يعتدي على «فكرة» لبنان وإمكانية العيش المشترك. لم يتعظ حزب الله من دروس الحرب الأهلية، التي دمرت لبنان، ولم يستغل الإرث الشعبي الذي بناه إبان مقاومته للعدو الاسرائيلي، ولكن ها هو بغطرسته وبغروره وبجبروت شنيع يسيل الدماء ويدمر المنازل ويروع الآمنين. بئس المقاومة هذه! ايران قررت تغيير خارطة اللعبة في لبنان وبالقوة، ودمشق هذه المرة لا علاقة لها بما يجري، فبعد أن تم «الخلاص» من عماد مغنية رجل إيران الأول في لبنان، تأزمت العلاقة وبشدة بين إيران وسورية وكان واضحا غياب أي مندوب رسمي سوري في مراسم عزاء مغنية بلبنان، وعليه كان القرار الايراني بأخذ زمام الأمور عن طريقة آلة: حزب الله وذلك لتغيير الواقع على الأرض.

لبنان الذي كان يعرفه الجميع انتهى، فالتطرف المجنون الذي يتزعمه حزب الله سيولد جنونا في التيارات السنية والدرزية عما قريب جدا. وشاهدوا «بركات» إيران في العراق لتعرفوا الخير المنتظر القادم للبنان واللبنانيين، ايران تواصل تحريك قطع الشطرنج الطائفي في العالم العربي بمهارة ودهاء لتحقيق مكاسب سياسية وطائفية استثنائية، وما على المراقب والمتابع إلا أن يرى ما حدث في دول عربية صغيرة كجزر القمر ليرى التحول الكامل الذي حدث فيها، وهو نتاج التأثير الايراني الواضح ولا جدال في ذلك، وطبعا يمتد ذلك الى دول عربية أخرى باتت واضحة ولا تحتاج لتكرار ذكرها مرة أخرى من جديد. لقد فقد حزب الله كافة المكاسب السياسية التي حققها واهتز رصيده الشعبي بعنف في العالم العربي بشكل لا يقبل النقاش، فها هو «ينحشر» في بيروت والجبل ويبعث الذعر في سكان تلك المناطق معيدا أجواء الحرب البائسة على الجميع، لبنانيين وعرب. لقد مل العرب من اللعب بالدين وتدمير بلادهم باسم الدين، وولادة «زعماء» و«قيادات» تعتقد أن لها مفاتيح الجنة وطريق النجاة، وما يلبثوا أن يستيقظوا من سكراتهم ويعترفوا بضرورة تجرع كأس السلام وكأنها سم لا بد من شربه. لبنان وتركيبة المعارضة فيه كانت تمر بأزمة ولا شك، فلائحة ميشال عون كانت تمر بأزمة مرعبة بعد انسحاب ميشال المر منها، وهو صاحب الثقل المؤثر جدا وبالتالي كان من المتوقع خسارته في الانتخابات القادمة هذا الشهر.

الحكومة اللبنانية تراجعت عن قراريها اللذين تسببا في المشكلة مع حزب الله، ولكن هذا لم يكن «الموضوع» و«السبب» كما اتضح وتبين أن أجندة ايران في لبنان أكبر وتشمل السيطرة على البلد بأكمله وإنهاء الأصوات المعارضة للحزب وتكميم أفواهها بتدمير الوسائل الإعلامية الخاصة بها. رفيق الحريري كان شخصية وطنية التف حولها ممثلين من كافة الطوائف اللبنانية بدون استثناء، أما حزب الله الذي لا يشكل إلا طائفة واحدة وشديد التعصب لها فهو يثبت بأفعاله الأخيرة بعده تماما عن الخط الوطني الذي يحتاح اليه لبنان، وقد يكون ما حدث الآن تصعيد «عظيم» ومطب وقع فيه الحزب كبداية لنهايته من ضمن تصفية اقليمية مطلوبة لاتفاقات جديدة؟ غدا تكشف الأيام ما كان مجهولا. على حزب الله أن يعي أنه أخرج شيطان الفتنة من قمقمه وأيقظه وأن المقاومة التي يلوح بها ستولد مقاومة ضده.

[email protected]