الدولة.. والجماعة

TT

نموذج حزب الله في لبنان هو مثال آخر حي على ما يمكن ان يحدث اذا جرى التنازل عن أحد حقوق مؤسسة الدولة الحديثة في أن تكون هي صاحبة الحق الوحيد في حمل السلاح وفرض الأمن والنظام حتى في اوقات الحروب، وتمنع أية جماعة اخرى في مجتمعها من هذا الحق.

حزب الله هو في النهاية جماعة تمثل فئة او قطاعا في لبنان، بالتأكيد هي ليست الاغلبية او الاكثرية سياسيا ومجتمعيا، لكنها افراز لواقع جديد حدث في لبنان بعد الاجتياح الاسرائيلي في الثمانينات واحتلال الجنوب، وموجة الهجرة التي حدثت، وتمكنت بتحالفاتها الخارجية التي تؤمن لها السلاح والمال من ان تفرض ارادتها على الخريطة السياسية اللبنانية في العقدين الأخيرين.

لا احد ينكر للجماعة دورها في المقاومة في فترة احتلال الجنوب بينما كانت الدولة غائبة، لكن بقاءها بالسلاح بعد ذلك كان لابد ان يقود في يوم من الايام الى التصادم مع الدولة، أو ان تصبح هي الدولة.

والشواهد كثيرة على هذا الطريق فهي مارست دور الدولة في اخذ قرار الحرب قبل عامين بدون أن يكون للسلطة الرسمية او جيشها قرار في ذلك ليكون دور السلطة هو مجرد لململة اثار وخسائرها، ومحاولة استيعاب النتائج والتداعيات.

وفي الأزمة الحالية لجأت الجماعة الى ما كان كثيرون يتصورون انه غير ممكن وهو النزول بالسلاح الى العاصمة لفرض ارادتها السياسية ومحاصرة رموز السلطة الرسمية مع ما صحاب ذلك من ثمن دفعه الاهالي بالدم.

وستكشف الايام والاسابيع المقبلة ما إذا كان قرار الجماعة رفع السلاح ضد خصومها فورة غضب وقرارا فرديا اتخذه حسن نصر الله زعيم الحزب الذي استخدم لغة تعكس الاحساس بالقوة عندما تحدث عن «قطع الايدي»، او انه نقلة استراتيجية في رقعة الشطرنج لتحقيق هدف ما.

المؤكد انه بصرف النظر عن البعد الاقليمي للأزمة وارتباطات الحزب بمموليه وداعميه بالسلاح انه ارتكب خطأ فادحا سياسيا، فقد اظهر ان حديثه عن الاحتفاظ بالسلاح للمقاومة ليس اكثر من شعار لتغطية الهدف الحقيقي وهو النفوذ السياسي حتى لا يصبح مجرد حزب مثل الاخرين، كما ان تحركه بهذا الشكل واستخدامه السلاح ضد السكان وضع غطاء طائفيا مقيتا على تحركه وخلق مرارات وعداوات في القلوب ستحتاج الى وقت طويل لازالة اثارها والتطهر منها.

وبسبب تركيبة الجماعة شبه السرية فانه ليس واضحا ما إذا كان هناك احد يحاسب قيادتها أو يراجعها في قراراتها اذا اخطأت، أو ليقول لها ان المعادلات الاقليمية والدولية بين الدول تتبدل حسب المصالح وموازين القوى والعاب الشد والجذب بين الأمم، واول من يدفع ثمن التبدلات والتغيرات هم اللاعبون الصغار بالوكالة، وتكون مشكلتهم أكبر عندما تكون هناك ثأرات بينهم واخرين داخل مجتمعهم.