يا له من جيش غريب!

TT

يكفي التلميح ليعرف كل القراء أن الجيش المقصود به هنا هو اللبناني، لأنه محل التساؤل عند الناس في أنحاء العالم العربي ومحط استغرابهم. أما اللبنانيون فهم في صدمة بسبب تقاعسه في مواجهة الانقلاب في بيروت وحروب الجبل وطرابلس.

جيش غريب حقا بدليل سيرته في ثلاث سنوات متتالية. فقد التفت إليه الجميع عندما غزا الاسرائيليون البلاد في عام 2006 ولم يتحرك لصد العدوان فقيل إنه ليس مهيأ لمواجهة ارامادا جرارة مثل الجيش الاسرائيلي، وجلس متفرجا طوال الحرب باستثناء مرات استهدفه القصف الاسرائيلي فقط من قبيل التأكيد. وعندما قامت عصابة فتح الاسلام في العام الماضي بالاعتداء على رجاله، ثم تحصنت في مخيم نهر البارد مرت ثلاثة أشهر حتى ينهي المعركة، وخسر 155 عسكريا. قيل فهمنا انه لا يجاري جيش اسرائيل فكيف يعجز عن ثلة محاصرة، قالوا تجهيزاته الضعيفة هي السبب. وكانت الصدمة الكبرى يوم استيقظ أهل بيروت الغربية صباح الجمعة الماضية ليجدوا ميلشيات حزب الله في شوارعهم، وبيوتهم، ومؤسساتهم، تقتل، وتدمر على مرأى من الجيش. بل قيل ان بعض عناصر الجيش لعبت دور المرشد والمساند في بعض الاحداث، منها ان قام ضباطه بالدخول الى مبنى تلفزيون المستقبل وأمروا بتسليم المقر لميلشيات حزب الله، وإلا فان المبنى سيهدم على رؤوسهم. وبعد هذه الفضائح المتسلسلة استنفدت مبررات الهوان الذي تعرضت له المؤسسة العسكرية اللبنانية نفسها. ما قيمة هذا الجيش الذي لا يرد عدوانا إسرائيليا ولا انقلاب ميلشيا ويحتاج الى مساعدة الخارج من أجل القضاء على تمرد بضع مئات من عصابة في مخيم محاصر؟

كيف يمكن لقادة الجيش أن يبرروا لشعبهم فضيحة الايام الماضية، حيث لم يكلفوا أنفسهم، أمام مواطنيهم، وجنودهم الاثنين وسبعين ألفا، والقسم الذي حلفه كل واحد منهم يوم التخرج، ان يدافع عن البلد ومؤسساته وأهله؟ إن عدد الجيش اللبناني يقارب نصف الجيش الاسرائيلي، وأكثر من عديد جيوش عربية أخرى أكثر نشاطا منه في ميدان القتال. محبو الجنرالات قالوا ايضا ان تركيبة الجيش الطائفية تمنعه من أي موقف على الارض أو على الورق بما في ذلك لجم الذين يشهرون السلاح بوجه مواطنيهم. ونحن نقول يا له من عذر أقبح من ذنب. إذاً متى يمكن للجيش أن يصبح جيشا ويحمي الناس والمؤسسات التي أقسم على حمايتها، ولماذا ينفق على هذا الجيش سبعمائة مليون دولار في بلد يعاني من الإفلاس؟ وكيف يسمح قادته بأن يهان أفرادهم في شوارع بلاده من قبل ميلشيات مهما كانت طائفتها او مبرراتها؟ وما فعله، او بشكل دقيق أكثر، ما لم يفعله الجيش في أيام الانقلاب، أوصل الجميع الى قناعات خطيرة جدا تمس مستقبل المؤسسة العسكرية. كل الطوائف والفرقاء السياسيين الذين بلا قوة تحميهم باتوا مقتنعين بأن الجيش خذلهم، ولا بد ان يؤسسوا لأنفسهم قوة تحميهم كما فعل حزب الله وغيره. وثانيا، فقد الجيش، وتحديدا قادته، الكثير بسبب التنافس على المناصب السياسية، وإقامة شبكة علاقات شخصية على حساب المؤسسة العسكرية. ثالثا، اصبح الجيش اليوم جزءا من المشكلة السياسية بعد ان كان الحل، منهيا عقودا من البقاء خارج الشجار بين الفرقاء لسنين طويلة. لكن يبقى الجيش هو الحل الوحيد للبنان موحد، ووجود الجيش شرطه الأول نزع أسلحة كل الميليشيات.

[email protected]