لو طرح هذا السؤال في مجتمعنا العربي

TT

زار بعض الضباط النازيين بيكاسو في مرسمه في باريس، أثناء فترة الاحتلال الألماني لفرنسا، فوقع نظرهم على لوحة تمثل الدمار الذي حل بمدينة «غرنيكا» الأسبانية من جراء القصف النازي، واحتد الجنود وهم يسألون بيكاسو:

ـ أأنت فعلت هذا؟

فأجابهم بيكاسو ساخرا:

ـ لا.. أنتم من فعل ذلك.

وقد أكد بذلك بيكاسو على رسالة الفن، وموقفه، وغاياته.. ولذا لم أدهش حينما أسفرت نتائج الاستطلاع الذي أجري في أوربا مؤخرا عن الشخصية الأكثر تأثيرا في الثقافة الأوربية، وشارك فيه 137622 شخصا عن بلوغ فنان تشكيلي رأس قائمة الشخصيات المختارة الأكثر تأثيرا، ذلك الفنان هو ليوناردو دافينتشي، الذي من أشهر لوحاته «الموناليزا» و«العشاء الأخير»، يليه الأديب وليم شكسبير، ثم الموسيقي موزارت، أي أن الأول كان رساما، والثاني أديبا، والثالث موسيقيا، كما ضمت قائمة أهم خمسين شخصية أسماء فنانين آخرين أمثال: مايكل أنجلو، بيكاسو، وغيرهما..

ولنتحدث بصراحة لو طرح هذا السؤال في مجتمعنا العربي حول الشخصيات الأكثر تأثيرا في ثقافتنا العربية، هل ستضم القائمة رسامين وموسيقيين على النحو الذي جاءت به نتائج الاستطلاع الأوربي؟ الأرجح أنها لن تضم الكثير من الفنانين، لأن علاقتنا بالفن مضطربة، فالفن لم يزل منفيا خارج مصطلح الثقافة في قناعات الكثيرين.. فالفن العربي الذي شهد فنانين أمثال: سيد درويش، محمد عبد الوهاب، فيروز، وديع الصافي، صباح فخري، ناظم الغزالي، طلال مداح، محمد عبده، لطفي بوشناق، عبد الوهاب الدوكالي، عبد الهادي بلخياط، محمود مختار، عبد الحليم رضوي، صلاح طاهر، وغيرهم، من الذين أسهموا في تكويننا الوجداني والجمالي، فإن اعترافنا بهم على مستوى التأثير الثقافي لم يزل خجولا ومترددا وعلى استحياء، لأننا نعاني من أزمة اتفاق حول ماهية الثقافة، وتنعكس هذه الأزمة على مدى تقديرنا لأولئك الفنانين..

باختصار نحن في حاجة لتعميق قيمة الفنان في دواخلنا، والاعتراف بهذه القيمة.. وما أحوجنا إلى أن نتعرف على موقف امبراطور فرنسا الذي اصطف عند بابه النبلاء للدخول عليه ذات يوم، فتركهم جميعا وذهب لعيادة الفنان دافينتشي المريض، وهو يردد: «أنا أصنع هؤلاء النبلاء بالمئات، أما فنان مثل دافينتشي، فالله وحده القادر على خلقه».

[email protected]