باسم الثورة الصناعية

TT

في البريد أمس الأول، رسالة من القارئ إبراهيم شاكر، يقول فيها: «اختار الكاتب اليوم أن يكتب عن الشعر في لحظات احتلال البعض بيروت. أعرف أن أجمل ما لدى الكاتب هو التجاهل (...)، للكاتب كل الحق في هذا التجاهل الكبير، لأن لبنان اليوم لم يعد لبنان اللبنانيين، بل صار لبنان الآخرين».

أشكر إبراهيم شاكر وأعتذر. لكن أحب أن أوضح له ولكل قارئ عزيز، أنني لا يمكن أن أتجاهل ما يجري في بلدي ولا أن أهرب إلى الكتابة عن الشعر واللغة. المقالات الأدبية التي أرسلها إلى المحرر المسؤول لا أحدد تاريخ نشرها. أما المقالات الحديثة، خصوصا العاجلة، فأكتب عليها «صباح يوم كذا».. وأفيق صباح اليوم التالي واجداً مقالاً عن النوء في اللغة، بينما أمامي في بيروت اللحظة الفاصلة بين بقاء أو زوال لبنان.

وأجد أن ما أرسلت عن أحداث لبنان ينتظر دوره للنشر بعد مقال النوء والمطر والنجوم. وحدث أن أول مقال أرسلته عن بيروت في 7 أيار نشر في الحادي عشر منه بحيث لم يعد له معنى. والمقالان الآخران لا يزالان ينتظران. وهكذا بدا أن جميع الزملاء في الجريدة كتبوا في الأمر ـ وأكثريتهم من غير اللبنانيين ـ إلا أنا فقررت التجاهل. وبكل حُسن نية تنشر رسالة عن التجاهل قبل نشر ما أرسلت وما كتبت، فيما يصر المحرر المسؤول على نشر زاوية عن الأنواء وموقعها في اللغة.

مرّ عليّ هذا الشهر 21 عاماً من الكتابة في «الشرق الأوسط». لم يحدث والحمد لله أنني تقاعست يوماً أو تكاسلت أو «تجاهلت».

إنني أعتذر تكراراً من إبراهيم شاكر ـ ألمانيا، ومن جميع الذين رأوا ـ عن حق ـ أنني أتجاهل انزلاق لبنان مرة أخرى إلى الضياع، وكأنني عثرت على وطن آخر ولم يعد لي شأن في مدينتي وبلدي. وكان في الإمكان تجاهل تأنيب إبراهيم شاكر لولا أن المسألة مسألتان: أخلاقية ومهنية. وعذرا مرة أخرى، باسم الثورة الصناعية.