حزب الله: الهمجية

TT

لن يسعني أن أتجاوز بسهولة صورة ذلك المسلح المتأهب قتالياً على «جبهة» تلفزيون المستقبل في الروشة وهو يصوب نيرانه تجاه المبنى القديم للقناة والنار تتصاعد من المكاتب والقاعات التي أمضيتُ فيها أربعة عشر عاما حفلت بالأحداث لكنها كانت لحظة الانقضاض عليها خالية إلا من النيران التي أتت على كل ما فيها.

صور المسلحين يدوسون على أشرطة وكاسيتات أرشيف ويحرقون غرفاً وقاعات ويعبثون دون وجل وبكثير من الكراهية والحقد بكل ما تقع أيديهم عليه هي محطة فاصلة لدى أي صحافي لبناني أو هكذا يفترض أن تكون.

أن يُحاصر زملاء في صحيفة المستقبل تحت نيران مسلحي حزب الله وباقي ما يسمى بالمعارضة اللبنانية الذين زعموا أنهم يقاتلون مسلحين في مبنى الصحيفة تبين أنها ادعاءات، أن يشكو زملاء من تحكم المسلحين بنقاط وزوايا التصوير فينقل ما يسمح به هؤلاء، أن يتردد لبنانيون في التعبير عن تعرضهم للتوقيف والضرب والاعتقال من منازلهم من قبل مسلحين، أن تتوسل نساء باكيات خُطِفَ ابناؤهن من منازلهم إلى المسلحين، ان يضطر أصدقاء لمغادرة بيوتهم ومناطقهم خوفاً من استهدافهم لأسباب مذهبية وأن يتلقى زملاء إعلاميون اتصالات هاتفية مجهولة المصدر تنتقد تغطيتهم لأنها نقدية حيال المعارضة، وأنات كثيرة أخرى لا تترك مجالاً للشك في المخطط الكامل الذي وضعه حزب الله حين أقدم على فعلته بالقبض على بيروت ولبنان على النحو الذي تم.

ما حدث في بيروت ولبنان وما تعرض له الإعلام في لبنان لم يكن خطأ أو جموحاً من قبل عناصر منفلتة. ما أقدم عليه حزب الله هو في صلب تركيبة هذا الحزب وأيديولوجيته القائمة على الفردانية وعلى صفاء اللون والانتماء ونبذ أي اختلاف وخنقه.

بدا التعامل الشامت صراحة من قبل إعلام حزب الله بما جرى لإعلام خصم آخر دلالة بليغة على أدبيات كثيرة سعى الحزب على مدى سنوات لترسيخها في عقل جمهوره ومحازبيه، وهي أدبيات تقوم على انتقائية المعلومات وتبجيل القائد فتقدم السلطة المركزية على حجب ما ترتئي حجبه وتزييف ما ترتئي تزييفه وترويج ما ترى ترويجه كمثل القول أن ليس حزب الله من أقفل قنوات المستقبل وليس حزب الله من قصف مبنى التلفزيون وإلى آخر هذه المعزوفة.

ليس الإعلام في لبنان بمجمله بمنزه عن انحيازات سياسية وسقطات مذهبية وانفعالية لكن ما أقدم عليه حزب الله عبر كل إمكاناته العسكرية والأمنية والإعلامية وضع اللبنانيين جميعاً وفي مقدمهم شيعة لبنان أمام امتحان ومفصل حقيقي يتقرر عليه مصير البلاد بأسرها.

لا يوارب حزب الله في منهجه وأسلوبه وردّ أمينه العام حسن نصر الله كان واضحاً حين قال إن من ستمتد يده إلى سلاح المقاومة سيلقى في البحر.

الخوف من أن تبقى المقاومة ويزول لبنان بات أقرب لأن يكون حقيقة

diana@ asharqalawsat.com