النكتة الناصرية

TT

حان موعدنا مع السخرية العربية المعاصرة. تأتي في مقدمة ذلك طبعا النكتة الناصرية. احتلت مصر منذ أقدم العصور الصدارة في دنيا الفكاهة والسخرية. ولم لا، وهموم المصريين كثيرة، وهل من مرهم للهموم أحسن من النكتة والضحك؟

لأمر ما، تعاظمت هذه الروح في عهد الرئيس عبد الناصر وحولته موضوعا لها. لم تكن أغاني أم كلثوم وحدها هي التي جمعت قلوب العرب في الأربعينات والخمسينات وعززت أوهام الوحدة العربية في نفوسهم. كذلك فعلت النكتة الناصرية التي راح العرب من المغرب للمشرق يتندرون بها. يروي عادل حمودة في كتابه «النكتة السياسية ـ كيف يسخر المصريون من حكامهم؟» أن عبد الناصر حذا حذو سائر الدكتاتوريين بالإيعاز لمخابراته برصد النكات التي تروى عنه وعن نظامه. فشكلوا قسما خاصا يتربص لهذه النكات ويجمعها ويقدم عنها تقريرا يوميا لسيادة الرئيس.

لا ادري إذا كانوا قد نقلوا إليه هذه النكتة. تذمرت امرأة فقيرة من زوجها المتحمس لناصر. قالت له، ما الذي حصلنا عليه منه؟ قل لي ذلك. اذهب واسأله، ما الذي جنيناه منه؟ تقبل زوجها هذا التحدي فذهب وقابل عبد الناصر ونقل إليه شكوى زوجته. أجابه الرئيس: «أيوه. أفهم كلامها. ولكن تعال معي». اقتاده إلى الشباك وسأله ماذا ترى. أجابه بأنه يرى حدائق القصر الزاهية بورودها وخضرتها وكل هذه المباني الشامخة حول القصر والسيارات الفارهة أمامه. فقال له ناصر: «شفت كل شيء؟ طب روح وقول لمراتك. عشر سنين كمان مع الاتحاد الاشتراكي ومصر كلها ح تصبح كده».

عاد الرجل لبيته وأعاد حكايته مع ناصر. قال لها بصي من الشباك وقولي شايفة ايه؟ فعلت وقالت شايفة الخرايب اللي حولنا والعشة وبرك الميه الفاسدة والمجاري المخلوعة والشحاذين بالسكة والأولاد العرايا و... و...

«آ! الريس يقول لك عشر سنين كمان مع الاتحاد الاشتراكي ومصر كلها ح تصبح كده».

بالطبع تفاقمت هذه السخرية بعد نكسة 1967 يوم لم يجد الجمهور مهربا من ألمها بغير الضحك على النفس فاكتسبت مرارة سوداوية جسمها الشيخ إمام في أغنيته «يا ما أحلى رجعة ضباطنا من خط النار!». وصلت تقارير كل ذلك إلى الرئيس فتوجس فيها مؤامرة قاسية لتحطيم ما بقي من معنوية. فألقى كلمته التاريخية التي حذر فيها من هذا التنكيت «إذا جاء أعداؤنا واستغلوا فينا هذه الطبيعة..لازم نكون ناصحين».