اتصل بأمك

TT

خلال تصفح البريد الإلكتروني الخاص بي ظهر أمامي إعلان عن هدية ليوم الأم، نقرت على هذا الإعلان، ناسيا ـ للحظة ـ أنني لن أحتاج هذه الهدية هذا العام، فقد ماتت أمي الشهر الماضي بعد أن بلغت من العمر 89 عاما، وهذا هو أول يوم أمٍّ يمر عليّض من دون أن تكون أمي، مارغريت فريدمان، معي.

نحن، كتاب الأعمدة، يرانا القراء مرتين في الأسبوع من خلال هذه المقالات، ولكن.. نعم، حتى كتاب الأعمدة لديهم أمهات. وبالنسبة لي، فإن الكثير من الآراء التي تدفعني للكتابة كانت تأتي من أمي. ولذا أريد أن أتحدث عنها بعض الوقت.

عانت أمي من مرض عقلي على مدى معظم العقد الماضي، ولكنها لم تفقد صفة الكرم التي كانت تتسم بها في أفضل أيام حياتها. وكما قال لي صديق الطفولة براد ليرمان خلال مراسم الدفن: «لقد كانت تتمتع بأفضل الصفات الشخصية رغم مرضها العقلي».

ولدت أمي عام 1918 بعد الحرب العالمية الأولى، وعاشت خلال فترة الكساد الكبير الذي ضرب الولايات المتحدة، وكانت في سجل المتطوعين في البحرية عند هجوم بيرل هاربر، وكانت في جيش أميركا خلال الحرب العالمية الثانية. اشترت أمي أول منزل لنا عن طريق قرض للمجندين في الجيش وظلت لفترة طويلة تلعب «البريدج» مع شخص يعيش في صربيا عن طريق الإنترنت.

وخلال طفولتي، بدت أمي ربة منزل نموذجية تتسم بالصفات التي تميز النساء اللاتي يعشن في الضواحي، ولكن علمت أن آخر ما يمكن أن توصف به هو صفة النمطية. كانت أمي تحيك الثياب لأختَيّ، وقد حاكت لهما فستاني الزواج، وكانت أيضا تحيك ملابسي. وفازت أمي بالعديد من بطولات «البريدج» القومية. وقد تركت أمي بصمتين رئيستين فيّ. الأولى: عدم الاستسلام والرضوخ للبطاقات التي ألعب بها. فقد مات أبي فجأة عندما بلغت 19 عاما. وظلت أمي تعمل لمدة عامين، ولكن عام 1975، حصلتُ على منحة دراسية للذهاب إلى إحدى الكليات في بريطانيا، وفاجأتنا أمي بأن قالت إنها سوف تذهب إلى بريطانيا هي الأخرى.

دهش معظم أصدقائها عندما علموا أنها لن ترضى بالعيش كأرملة وحسب. باعت منزلنا في ولاية مينيسوتا وانتقلت للندن. وتمكنت من استغلال ملكتها في لعبة «البريدج» لتكوِّن صداقات جديدة، وكانت من بين هذه الصداقات علاقتها بزوجين صحباها بالطائرة إلى باريس للعب «البريدج» هناك. نعم، سافرت إلى باريس للعب «البريدج» هناك. وأتت إلى بيروت لتقابلني، خلال الحرب الأهلية، وكانت تبلغ آنذاك 62 عاما.

صورتها في بيروت جعلتني أفكر ثانية بدهشة فيما كان يمكن أن تفعله أمي إذا كان لديها المال اللازم لإكمال دراستها بالكلية وأن تسعى لتحقيق أحلامها، بنفس الطريقة التي كانت تشجعني بها. ويمكنك أن تلاحظ تأثير أمي علي في كل عمود أكتبه. لا أذكر أني سمعتها يوما تتحدث عن شيء بسخرية، ولم تكن امرأة ساذجة. وفي كل مرة تصيبها مصيبة، تنهض، لتنفض الغبار عن نفسها وتمضي للأمام تدفعها مقولة «المتشائمون عادة على صواب، والمتفائلون عادة على خطأ، ولكن معظم التغييرات العظيمة يقوم بها المتفائلون».

منذ ستة أعوام، كنت في إسرائيل لأتناول العشاء مع محرر جريدة «هآرتس» الإسرائيلية، التي تنشر مقالي بالعبرية. وعندما سألت المحرر لماذا تنشر الجريدة مقالي، قال لي وهو يمزح: «توم، أنت الشخص الوحيد المتفائل الذي يكتب في الجريدة». وقال لي جنرال إسرائيلي أوزي دايان ونحن نتجه إلى المائدة: «توم، أعرف لماذا أنت متفائل، أنت قصير ولا ترى إلا النصف الممتلئ من الكوب». حسنا، الحقيقة هي أنني لست هذا الرجل القصير، ولكن أمي كانت كذلك. وكانت هي، في الواقع، من ترى النصف الممتلئ من الكوب فقط. فعندما تقرأ لي، فكأنك تقرأ لأمي.

وفي أي وقت يكون لي الشرف كي ألقي كلمة خلال حفل التخرج في إحدى الكليات، أحاول أن أنهي الكلمة بهذه القصة عن مدرب كرة القدم الأسطوري بجامعة ألاباما «بير بريانت». ففي نهاية حياته المهنية، وبعد أن توفيت أمه، اتصلت به شركة «سويث سنترال بيل تليفون» ليشارك في إعلان تلفزيوني للشركة. وباختصار، كان من المفترض أن يكون هذا الإعلان بسيطا، مجرد موسيقى. ويقول المدرب بريانت بصوته الأجش: «هل اتصلت بأمك اليوم؟». وفي وقت تصوير الإعلان، أضاف شيئا بصورة تلقائية. فقد نظر إلى الكاميرا وقال: «هل اتصلت بأمك اليوم؟ أتمنى لو كنت أستطيع أن أتصل بأمي؟». وبهذه الطريقة تم بث الإعلان وكان له صدى كبير بين المشاهدين.

ولذا، فخلال يوم الأم الحالي، إذا كنت ستستفيد بشيء واحد من هذا العمود، فخذ هذه النصيحة: اتصل بأمك. وأتمنى لو كنت أستطيع الاتصال بأمي.

* خدمة «نيويورك تايمز»