متى..؟

TT

الثوب السياسي العربي على مرتديه بات «ضيقاً» ومليئاً بالرقع والبقع، ولعل هذا هو أبلغ وصف وأدق شرح للوضع الحالي في المنطقة. فالأحداث تتسارع وتكثر ومساحتها تزداد انتشاراً. فمستنقع العراق عصيٌّ على الجفاف، ولا يزال يواصل حصد الأرواح وإثارة الذعر والفزع ونشر الدمار، وطبعاً انضم إليه لبنان بفصول ومشاهد بائسة وحزينة، لا تزال مجرد مقدمات ومقبلات وفاتحات شهية لما هو آتٍ، والآن يدخل السودان على الخط لتقدم مأساته هي الأخرى، حادثا غير عادي وتمردا عسكريا عنيفا وصل إلى قلب أم درمان، المدينة الثانية بالسودان. فالحادث ينذر باختراق مخيف للجيش وبهزة عنيفة جدا. ويوضح أن مشكلة دارفور، أهملت لسنوات غير بسيطة، من غير تقديم الحل الكامل لهذه المشكلة الاجتماعية والسياسية. وما يسري وينطبق على الحالة السودانية ينطبق على الوضع في اليمن أيضاً، وها هو الجيش اليمني يواجه تمردا أصوليا مسلحا من قبل الحوثيين المدعومين بقوة من قوى إقليمية، وهذا التمرد لا يزال مستمراً ولفترة طويلة، ويبدو أنه غير قابل للتعايش مع كل محاولات السلام والوساطات التي تمت. والواضح أن كل هذه المشاكل «الغريبة» توضح أن الوضع السياسي العربي لا يزال هشا جدا، والمنظومة التشريعية الموجودة لم تستطع للآن أن توفر الغطاء القانوني الكافي للمواطنة السوية وأبناء الأقليات من أصحاب الأعراق والمذاهب المختلفة. وهذا «المأزق» مرشح للاستمرار وبقوة مع ازدياد المشاكل وكثرة المطالب والمقارنة الحاصلة مع دول أخرى حول العالم كالتي تصنف كدول عالم ثالث ونامٍ. الصيغ التعايشية الموجودة حاليا في أغلب الأنظمة السياسية العربية تظل منقوصة وغير كاملة، فهي لم تخطُ الخطوات الجريئة والحرجة والمؤلمة المطلوبة، والتي ستؤمن مساواة حقيقية بين المواطنين، وإن قدمت ذلك بعض الدول فهو يبقى حبرا جميلا على ورق براق يفتقد إلى الجدارة والمصداقية حين وضعه في الاختبار التطبيقي. هذه الأحداث مع «غرابتها» إلا أن هناك تربة تسمح بوجودها، وهي التي تسمح للغير بالتدخل المباشر والواضح والفج أو الخفي والمستتر، واستغلال الوضع لتحقيق المآرب والأطماع. لن يكون العالم العربي مختلفا عن دول شرق أوروبا، أو دول أمريكا الجنوبية أو جنوب أفريقيا أو كينيا أوغانا وغيرها من مختلف الدول حول العالم. ولكن العالم العربي لا يزال بقعة «عصية» على التطور والإصلاح السياسي الحقيقي الذي يضمن العيش بكرامة، والمشاركة الجادة في صناعة القرار وضمان نتائجه بأمانة واحترام. وحتى يحين موعد هذه النقلة النوعية التي طال انتظارها سيبقى أهل العرب أسرى الخبر العاجل وتوابعه البائسة. فالقادم حتما محزن أكثر! طالت ظلمات الليل والبدر والشمس لا أثر لها.

[email protected]