الأويغور المسلمون: الشعب المنسي في الصين

TT

وصلت الشعلة الأولمبية الأسبوع الماضي إلى الصين التي ستستضيف أولمبياد هذا الصيف، وقد وفرت رحلة الشعلة في العالم العديد من المناسبات لمناهضي النظام الصيني كي يقوموا بالتعبير عن غضبهم. وكان تركيز هذه الاحتجاجات على التيبت، وهي منطقة تتمتع بالحكم المستقل وتقع في جبال الهملايا، وينظر إليها منذ فترة طويلة على أنها معقل للبوذية.

ولكن ما لم يدركه معظم من شاهدوا المظاهرات في التلفزيون هو أن سكان التيبت ليسوا المواطنين الوحيدين الذين لا تحترم بكين حريتهم. ففي الواقع، ان سكان التيبت أفضل حالا من بعض المواطنين الآخرين الذين يعيشون تحت الحكم الشيوعي، فهم وحدهم المعفيون من قانون «طفل واحد للعائلة الواحدة»، هذا القانون الجدير بالازدراء. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، ارتفع عدد سكان التيبت أسرع من متوسط الارتفاع في الصين بمقدار أربعة أمثال. كما سمح للتيبتيين بالاحتفاظ بمعظم مدارسهم والعديد من الأديرة، حيث يقوم العديد من الرهبان بما يفترض أن يقوم به أي راهب. وحتى الاضطرابات الأخيرة التي صاحبت الشعلة الأولمبية، كانت التيبت مفتوحة الأبواب أمام الزوار الأجانب والصحافيين، وهي ميزة لا تمنحها الصين لكل المناطق فيها.

وقد تحدث ريتشارد غير، وهو نجم هوليوود اعتنق البوذية، عن «الشعب المنسي» في التيبت. ولكن، في حقيقة الأمر، فإن الأويغور هم «الشعب المنسي» في الصين. وقد دمج موطن الأويغور، تركستان الشرقية، في جمهورية الصين الشعبية عام 1949. وتغطي تركستان الشرقية مساحة تساوي مساحة إيران تقريبا. (حوالي 1.6 مليون كيلومتر). وعلى مدى خمسة عقود، كانت هذه المنطقة مسرحا لأكبر عملية استعمار في العالم، وما زال هناك سبعة ملايين من الهان، وهي أكبر مجموعة عرقية في الصين. وقد غيرت حركة الاستعمار الكبيرة الوضع الديموغرافي في المنطقة بطريقتين:

أولا: الأويغور وهم أتراك لا علاقة لهم بالصين. في عام 1949 كانوا يمثلون 92 في المائة من السكان، وقد أصبحوا في الوقت الحالي 46 في المائة. وهذا ليس شيئا مفاجئا. وكان عدد الأويغور عام 1949 يصل إلى نحو 18 مليون نسمة وفي الوقت الحالي يبلغ عددهم أكثر من 8 ملايين. ومن ثمّ، فإن الخسارة الديموغرافية للأويغور في موطنهم أكبر من الأرقام المناظرة الخاصة بالشيشانيين في روسيا.

ثانيا: للمرة الأولى منذ القرن الثامن الميلادي، لم تعد تركستان الشرقية أرضا إسلامية حصرا. فقد خضع المسلمون الذين يعيشون في هذه المنطقة إلى قاعدة «طفل واحد» وتم إحضار الكثير من الهان تحت زعم أن السكان الأصليين لا يستطيعون توفير العدد اللازم من العمال. وفي نفس الوقت، نقل الكثير من المسلمين الذين يعيشون في شينجيانغ، لاسيما النساء اللواتي يمكن أن ينجبن أطفالا، إلى الكثير من المناطق الأخرى في الصين بزعم التغلب على مشكلة نقص العمالة هناك! وفي الوقت الحالي، يمثل المسلمون 54 في المائة من مجمل السكان. ولا تعد شينجيانغ هي المنطقة الوحيدة في العالم التي تم تقليل عدد المسلمين فيها مقابل سكان آخرين.

وترجع المحاولات الصينية لدمج تركستان الشرقية فيها إلى العصور الوسطى، ولكن كانت أولى محاولات الاستعمار في منتصف القرن الثامن عشر، عندما غزا المانكو، الذين كانوا يحكمون في هذا الوقت معظم الصين، المنطقة وتمكنوا من السيطرة عليها لمدة 100 عام.

ومع هذا، شهد هذا القرن أكثر من 40 ثورة كبرى للأويغور، وتمكنت آخر هذه الثورات من طرد المانكو عام 1863. وبعد عام عاد المانكو ولكن بجيش أكبر. وقتل خلال الحرب التي استمرت لسنوات طوال أكثر من مليون من الأويغور، وكان معظم الضحايا بسبب الجوع والكوليرا والطقس البارد في المنطقة. وأخذ المانكو 25 عاما حتى يوطدوا حكمهم في المنطقة ويدمجوا تركستان الشرقية، التي سميت بعد هذا شينجيانغ (وهي تعني الأراضي التي تم غزوها من جديد) في الإمبراطورية.

في عام 1911، تمكن أنصار قومية الهان، تحت قيادة صن يتسن من الإطاحة بإمبراطورية المانكو وإعلان الجمهورية. وأعلن الأويغور استقلالهم، لتسحقهم جيوش «الديمقراطية» الجديدة.

ومع هذا، لم يتوقف سكان تركستان الشرقية عن القتال من أجل حقوقهم. فقد قاموا بثورات مسلحة متكررة، وفي عام 1933 تمكنوا من إقامة «جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية» وأعيد تسميتها «جمهورية تركستان الشرقية» عام 1944. ولكن حطم جيش التحرير الشعبي تحت قيادة ماو تسي تونغ الدولة المستقلة عام 1949، بعد أن تولى الشيوعيون مقاليد الحكم في بكين.

وخوفا من تكرار المأساة التي وقعت في القرن التاسع عشر عندما مات مليون من الأويغور، هربت الكثير من القبائل مشياً إلى جمهوريات وسط آسيا وأفغانستان وحتى إلى إيران. ومع هذا بقيت مجموعات صغيرة للحرب وحالت بين الصينيين وبين السيطرة على المنطقة حتى منتصف الستينيات.

وفي الوقت الحالي، توجد كمية كبيرة من الوثائق، من ضمنهما بعض الوثائق التي أعدتها مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، تقدم أدلة على أن سكان تركستان الشرقية من أكثر الشعوب المضطهدة التي تعرضت للغزو على ظهر الأرض.

وهناك وثيقة مهمة ترجع إلى منظمة العفو الدولية نشرت عام 1999، ووثيقة أخرى أعدها عدد من أعضاء البرلمان الكنديين عام 1998. وتتهم الوثيقة الكندية بكين بتلفيق تهم بالإرهاب للأويغور، ومن بين التهم تفجير حافلة في أورومتشي عاصمة الإقليم. كما اتهمت الوثيقة بكين باستخدام ألفاظ شائعة دوليا مثل «الأصوليين الإسلاميين» و«الإرهابيين الإسلاميين» و«الانفصاليين» لوصف الأويغور، الذين لا يطيقون الاضطهاد الصيني ويقومون ببعض المقاومة ضد الأعمال غير الآدمية وانتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها الشعب الصيني.

وأكدت الوثيقة أن الأويغور لم يكونوا يوما مسؤولين عن أي من الأعمال الإرهابية، بل على العكس هم من يعيشون تحت سيطرة إرهابية خطيرة من قبل الحكومة الصينية.

وأقل ما يمكن أن يقوله المرء هو أن مطالبة الأويغور بحقوق قومية تستحق اهتماما مثل الذي حظيت به مطالب الدالاي لاما الخاصة بمساحة أكبر من الحكم الذاتي في التيبت. وحقيقة أن الأويغور وإخوتهم الكازاخ والطاجيك والقيرغيز والتتار والمغول الذين يعيشون في تركستان الشرقية ويدينون بالإسلام، لا تعني أنهم يجب أن يصنفوا كـ«إرهابيين إسلاميين» وأن نتركهم يواجهون الاضطهاد من دون قدرة على الدفاع.